تعديل قانون المعلوماتية.. تحجيم أم حماية؟
الخرطوم : عوض عدلان
مع تركيز الجميع على المواد التي تم تعديلها بالقانون الجنائي والتي يرتكز أغلبها على الجرائم الأخلاقية لم ينل تعديل قانون جرائم المعلوماتية الذي صدر في نفس التوقيت والمخصص لمواجهة الجرائم الإلكترونية (الفضاء الإسفيري) عبر تشديد العقوبات وإفراد مواد خاصّة بالمعلومات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حظه من النقاش وربما كان التجاهل الذي قوبل به مقصوداً رغم الإعداد الكبير من رواد تلك الشبكات خلال هذا التحقيق حاولنا إلقاء الضوء على بعض الآراء المتباينة حول هذه التعديلات.
قانون قديم جديد
هذا القانون ليس بالجديد، فالسودان كان من أوائل الدول العربية التي قامت بإصدار قانون ينظم عمل وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة لتخصّص شرطة ونيابة ومحكمة لذلك النوع من الجرائم والتي تتصل بصورة مباشرة بالشبكة العنكبوتية، إلا أن تنفيذه كان ضعيفاً بحسب البلاغات التي تم تقديمها خلال الفترة الماضية، والتي شملت تشويه السمعة والابتزاز والتهديد، فضلاً عن الاحتيال المادي وانتهاك الخصوصيّة بينما تذيلت جرائم اختراق المواقع الحكومية والشركات الخاصة القائمة المتواضعة للبلاغات المفتوحة حيث لم تسجل النيابة بلاغات من هذا النوع إلا نادراً.
تأييد مشروط
الطالب محمد عزيز من جامعة السودان قال في انفعال، إن العديد من جرائم الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تصل الى مضابط الشرطة، ولكن يجب تشديد العقوبة إلى أقصى درجة، إذا ما وصل الأمر إلى مستوي البلاغ حتى يتعظ الآخرون والبنات أكثر المستهدفين من هذا النوع من الجرائم، حيث لا يتم الإبلاغ عنها في الغالب خوف الفضيحة بينما البعض يتخذ هذه المنصات للابتزاز والتهديد بكل أسف.
وأكد أن التعديلات الجديدة ربما أغلقت الكثير من الثغرات بالقانون السابق، وأنها لم تجد الاحتفاء الكافي من رواد شبكة التواصل الاجتماعي فبعض ضعاف النفوس كان يستغل تلك الثغرات في الإساءة للآخرين عبر الشبكة، وهي بالتالي تعتبر (كارثية) بالنسبة لهم.
الحرية مكفولة
المستشار القانوني معاوية عابدين، قال إنّ التعديل الجديد ربما يلبي الاحتياجات في ظلّ تطوّر الجريمة الإلكترونية، مع صعوبة عملية إثبات الجريمة وإقناع المحكمة من خلال القانون السابق وأكّد أنّ التعديلات الجديدة توسعت في حماية (النساء) خصوصاً باعتبارهن أكثر الفئات المستهدفة والمستخدمة للإنترنت في نفس الوقت، فضلاً عن التوسع في بعض الجرائم الأخرى كالإرهاب والاتجار بالبشر وتشديد العقوبات عليها.
وأضاف أنّ القانون خصّص مادةً للنشر الإلكتروني، وشدد في عقوبتها، بعد أن كانت مدمجة مع مواد أخرى في القانون القديم، لكنّه نفى تماماً أن يكون القصد منها تقييد حرية النشر بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بل الحرية مكفولة على أن لا تتعدى حرية الآخرين.
تغيير لابد منه
الناشطة الاجتماعية سهام محجوب، ترى أن متغيرات الأوضاع استوجبت تطوير قانون جرائم المعلوماتية مشيرةً إلى أنّه سينجح في الحد من هذا النوع من الجرائم خاصة مع الوعي المتنامي بين فئة الشباب في الفترة الأخيرة.
كما أن هذا التعديل يحمي المواقع الحكومية على الإنترنت، إذ صارت مهددة بالاختراق على من وقت لآخر، والجميع تابع الاختراق الذي تم لموقع وزارة الاتصالات التي اتّهمت جهات خارجيّة بذلك.
انتقادات أيضاً
ولم تسلم التعديلات الجديدة من الانتقادات اللاذعة، حيث قال الناشط السياسي الأستاذ نادر هاشم بأنها محاولة للتضييق على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة إعلام بديل خاصة خلال توقف الصحف الورقية، وقد ظهر ذلك من خلال جائحة كورونا الأخيرة، إذ عملت على بث المعلومة والأخبار للرأي العام بجانب كونها أصبحت متنفساً للعديد من الشباب
ولا يمكن إنكار أن مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما “فيسبوك” و”واتساب” أصبحت لها موقعها في الحصول على المعلومات وتداول الأحداث المختلفة، وهي متواصلة طوال ساعات اليوم، ويتم تداول بعضها عند حدوثها، فضلاً عن كونها أصبحت ساحة لانتقاد ممارسات وسياسات الوزراء والمسئولين.
لها الفضل في الثورة
الأستاذة نعمات الشيخ الموظفة بأحد الدواوين الحكومية أكدت على ضرورة وجود ضابط لما ينشر من خلال تلك الشبكات بلا تقييد، إلا للتعدي على الأشياء الشخصية، وتقول أن لا أحد ينسى فضل هذه الشبكات خلال أيام ثورة ديسمبر العظيمة حيث جعلت منها المعارضة ساحة لتصويب سهامها تجاه الحكومة ومحاولة تعريتها أمام الرأي العام، بعد تضييق الخناق على الصحف في تلك الفترة، وقد كانت منصة لتواصل الثوار في جميع أنحاء الوطن، وبها نجحت دعوات للاعتصام وشكّلت هاجساً كبيراً للنظام السابق حتى جعلت الحكومة تؤسس فريقا إلكترونياً لمواجهة تلك الدعوات رغم أنها سابقاً لم تكن تهتم بذلك.
أخيراً.. وليس آخرًا
أصبحت مواقع التواصل اليوم أحد أهم مصادر الأخبار للصحافة المحلية والعالمية، حيث تبث من خلالها البيانات والتصريحات الرسمية، وتنقل الأحدث لحظة وقوعها لتحول العالم إلى قرية صغيرة، فهل جاءت هذه التعديلات لتحجيم دورها أم للأمر أبعاد أخري, وتظل للقضية بقية لم تكتمل.