أعلنت بالأمس نتائج امتحانات الشهادة السودانية للعام 2019؛ ظلّل الفرح هامات الآباء وسعدت الأمهات، وهي دعوة للاستمرار في سنة الأستاذ محمد الشيخ مدني الذي سبق بتقليد وضع اسم الأم ضمن محتوى الشهادة الثانوية، ولا أعرف أن ظل هذا التقليد سارياً أم طالته لوثة الجنون مما يسمى الدولة العميقة؛ سعدت حينما أطل اسم آلاء صلاح الدين من عطبرة كأولى للشهادة الثانوية، فيما طربت واسم (قولو) يتردد و(دوكة) ومناطق أخرى من حواف السودان الأربعة، ضمن لوحة شرف المدارس التي سبقت وربحت وارتفعت رؤوس أهلها، وعليها تيجان العلم يشق ابناؤها الطريق بإذن الله إلى مراقي التأهيل حاملين السودان إلى حيث يجب أن يظل ويكون.
اللوحة التي عرضت أمس تتنزل قبلها كل معاني التبجيل وقوفاً لقبيلة المعلمين الذين صدقوا وأوفوا الواجب الوطني في أعمال التصحيح و(الكنترول)، حتى تم الأمر لم تكسره يد مخذل او مبتز؛ وبما يدحض تخرصات القوى التي زعمت وادعت أن النتيجة لن تكتمل، لكن الرجال والسيدات الذين في مقام الأنبياء فعلوها، وهكذا يفعل كل وطني حر يمايز بين الموقف والمعتقد السياسي ونداء الواجب وفريضة العمل الذي به تكتمل أركان البناء قائمة في بلد يثور فيه السودان ويضجرون، ولكن لا يخربون أوطانهم أو يجرونها إلى غيابت جب الفوضى.
والأمر من بعد، وبالنظر للانتشار الجغرافي للذين تأهلوا في مدارج المعارف منتقلين الآن إلى بوابات الجامعات يؤكد أن هذا النور المشع في العقول ما عاد حكراً على أبناء العواصم و(الخرطوم)، وإنما هو حق مشاع لكل الأمكنة والجهات فتتساوى الكتوف والقامات بالوعي والحقوق المبذولة للسابلة في كل الأرجاء،ٍ وهذا ما يعزز حق الولايات القريبة والبعيدة على ساق المساواة وقدم السعي، فإن كان حق التعليم والتنافس فيه للجميع، فمن باب أولى أن يكون القول الفصل في شواغل السياسة بذات الاستحقاق، وفي الأطراف ثقل لسودانيين من حق السماع بتلمس الآراء والسماع لهم وطلب رأيهم وتفويضهم إن أراد ورغب، فالديمقراطية ليست بنطالاً مفصل على قياسات البعض وضيق على غيرهم.
الهامش والأطراف البعيدة صاحبة حق أصيل في التعبير والبيان؛ وذات وزن وحق في أن تدلي برأيها؛ إن رغبوا فيها مدنية الصياح، فلتكن أو أرادوها هجيناً فهو رأيهم وإن اختطوا لهم مساراً ثالثاً فلتكن؛ فما عاد ينقصهم الرأي أو يعوزهم المنبر؛ ويجب ألا يكون هذا العهد امتداداً لافتراض الوكالة عنهم، فقد تقاصرت المسافات وتقاربت الشقة فساعة طيران أو اثنين تهبط بالراغب في التحسس بالغرب أو الشرق أو الجنوب الجديد، مع ملاحظة أن مطلوبات كل مجتمع تختلف، ففي الوقت الذي يرى فيه الخرطوميون قضاياهم بمنظار الآراء السياسية، قد تكون رؤية الولايات حكومة الخدمات شغلها والأمن مشروعها فهناك شواغل الناس أعمق من سجالات السيادي أو محاصصات التشربعي؛ أناس من حاز قوت يومه وبات آمناً في سربه، كأنما حيزت له الدنيا واكتملت.