17 ابريل 2022م
رمضان كريم..
وشهر رمضان هذا ربما من أكثر شهور العام تعليماً لنظرية
النسبية..
أو تقريباً لفهمها… لمن لا يفهم..
تماماً كما لم يفهم الأعرابي ذاك حين قال عنه تهرباً (والله لأبددنه سفراً)..
وذلك عندما أُخطر بمقدمه..
فقد ظن أنه يمكنه التهرب من الصوم بحيلة السفر… والسفر ذو مشقة..
ولكنه رأى أن مشقة رمضان أكبر..
وأعرابي آخر شبَّه طول التي أوشك أن يرتبط بها بطول شهر الصيام..
فقال منشداً وهو فرحٌ بنجاته:
نُبئت أن فتاة كدت أخطبها… عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
ولم يُعلمنا بطوله هو… أو قصره..
فربما رآها طويلة لأنه قصير؛ وقد تكون قصيرةً إزاء آخر أعُجب بها..
وشهر الصوم ليس بأطول من بقية شهور السنة..
ولكن الأمر نسبي..
وفي ذلك يتغنى محمد الأمين من شعر زميلنا الراحل فضل الله محمد:
الغريبة الساعة جنبك تبدو أقصر من دقيقة
والدقـيقة وانت مـافي مرة وما بنقدر نـطيقا
وذات مرة أجريت تجربة أشبه بالتي أخضع لها صاحب النسبية ذاته زوجته..
تجربة على إنسانة؛ لا فأر تجارب..
فهي كانت تشاهد – بشغف – مسلسلاً تلفزيونياً تتابعه؛ ويشد كامل انتباهها..
ومن بعد ذلك ذهبت للمطبخ لغسل الأواني..
فسألتها عن الزمن الذي قضته وهي في المطبخ؟… ثم وهي أمام الشاشة؟..
فكانت إجابتها ذات مفارقة مضحكة..
وفي الثانوي كان لدينا مدرسان للجغرافيا؛ واحدة طبيعية والأخرى كنتورية..
مدرس الأولى كان ظريفاً… ومتفاعلاً معنا..
ومدرس الثانية كان جامداً… وتعابير وجهه جامدة… ويقف أمامنا بجمود..
فكنا نشعر بزمن حصة الأول يبدو أقصر من دقيقة..
أما الثاني فكان زمن حصته طويلاً… ثقيلاً… مراً… لا نقدر على أن نطيقه..
ونظرية النسبية هنا تنطبق حتى على مجال السياسة..
فالطغاة لا يحسون بزمن فترة حكمهم؛ ولو بلغ نحو عقدين من الزمان..
وفور سقوطهم يحسون بالدقيقتين تساوي عقدين..
أو كإحساس المرأة تلك بالزمن وهي تغسل الأواني من بعد انتهاء المسلسل..
أما فترة حكمهم ذات العقدين فتبدو لهم كدقيقتين..
وفي كرة القدم نسمع من المعلقين عبارة يرددونها كثيراً عند نهاية الزمن..
يقولون إن الزمن يمشي بطيئاً على المنتصر..
بينما يمشي سريعاً في نظر المهزوم؛ ويُكثر مدربه من النظر إلى الساعة..
وكراكاس كانت قد استضافت مؤتمراً عن الزمن..
كان مؤتمراً علمياً؛ يبحث في فرضية علاقة الزمن بالغباء الحضاري..
والمشاركون فيه من كبار أساتذة الجامعات بالعالم..
والفرضية الجديدة هذه صدرت – أصلاً – من جامعة هارفارد الأمريكية..
واهتمت بها جامعات أخرى..
واهتمت – أكثر – فنزويلا لدرجة أن أصرت على احتضان عاصمتها له..
ووصل المؤتمرون في الزمن المحدد..
ولم يجدوا رصفاءهم المضيفين؛ وبعد ساعة من الزمن وصلوا بسلامتهم..
واعتذروا عن التأخير البسيط..
والبسيط هذا نفسه كان سيبدو أكثر من بسيط إن قُدر لنا استضافة هذا المؤتمر..
فأغلب الظن أن التأخير كان سيبلغ ساعتين..
والساعتان هاتان (ولا حاجة) لدى من اشتهروا بعدم احترام الزمن… فالساعة..
فهما مجرد دقيقتين… ولا تصحان مقياساً للتحضر..
والساعة أقصر من دقيقة..
فالأمر نسبي!!.