17 ابريل 2022م
“ومُحَمدٌ كُلٌّ وَحُبٌ كُلُّهُ.. فإذا كَرِهتَ خَسِرتَ حُبَّكَ كُلَّه”.. الشاعر أحمد بخيت..!
اختلف الزوجان زينب بنت محمد وأبي العاص بن الربيع، خلافاً مبدئياً عظيماً يهتز له عرش أي بيت مطمئن مهما كبر الحب. المتغير كان مجيء الرسالة وفرض الإسلام، والثابت كان رغبة الطرفين في استمرار الشراكة رغم إسلام زينب وبقاء أبي العاص على شركه. سأل المشركون أبا العاص أن يفارق زوجه، واقتضى شرع الإسلام أن تطلب زينب فراقه، لكنهما قبلا بالفراق لا الطلاق..!
هاجر المسلمون إلى المدينة فطلبت زينب الهجرة وخرج أبو العاص في صحبتها حارساً لا رفيقاً، ثم عاد أدراجه إلى مكة، وفي غزوة بدر قاتل إلى جوار المشركين وأسره المسلمون، فماذا فعلت زينب؟. هرعت في حينها إلى حيث الأسرى وهي تحمل عقداً ثميناً ورثته عن أمها خديجة، وافتدت به زوجها قائلة لأبيها “إني أحب زوجي كما أحببت خديجة، أدرك أنه كافر لكني أحبه، هذا قسمي فيما أملك كما قلت أنت عن عائشة، فلا تلمني فيما لا أملك”..!
فماذا فعل سيد الخلق أجمعين؟. خاطب أصحابه قائلاً “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا”، ففعلوا. ثم وقع أبو العاص في أيدي سرية من سرايا المسلمين قرب المدينة وتمكن من الفرار، لكنه عوضاً عن الرجوع إلى مكة، جاء إلى زوجته وحبيبته زينب متخفياً في الليل واستجار بها فأجارته..!
في المسجد قبيل صلاة الفجر، وبعد تكبيرة الإحرام تحديداً صاحت زينب من بين صفوف المصليات “أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه”. فماذا فعل أبوها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟. هل عنَّفها، هل استقبح جرأتها، هل نفذ صبره من احتمال تبعات ذلك الحب الجامح الذي حملها على أن تفعل كل ما فعلت؟. بعد أن سمعها خاطب صحابته قائلاً “والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم”، فقال صحابته رضي الله عنهم “قد أجرنا من أجارت”..!
رغم عظمة الحب ونبل المقاصد رفض أبو العاص أن يدخل في الإسلام قبل أن يرجع إلى قريش ويرد الأمانة إلى أصحابها، وبعد أن فعل وقف بينهم قائلاً “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله”، ثم خرج إلى المدينة..!
بعد ستة أعوام من الفراق بلا طلاق عاد أبو العاص إلى حبيبته زينب وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم “حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي”. هذا هو الإسلام الذي نعرف والذي نريد والذي نتبع، لا إسلام الذين مزقوا بالرصاصة ثوب الفكرة وأشهروا البنادق في وجوه القصائد. أين أهل الخلاف اليوم من نبل هذا الاختلاف، أين هذا العنف من تلك السماحة، أين هذا الموت من تلك الحياة، أين نحن وهم وأنتم من كل هذا الإرث العاطفي الجليل..!
munaabuzaid2@gmail.com