مرت علينا قبل أيام ذكرى 11 أبريل، التي تُعتبر نقطة فاصلة لتحولات الكبرى حدثت بعد أن تنحى البشير وسقطت الإنقاذ التي أحكمت قبضتها على رقاب الشعب السوداني ثلاثين عاماً عِجافاً أرهقت كاهل المواطن السوداني وغيّرت الكثير من العادات والتقاليد السودانية السمحاء، لذلك استحقت الإنقاذ لقب (النظام الفاسد والمفسد معاً).
من ظن أن سقوط الإنقاذ جاء بالسهل بعد فتح بوابات القيادة في السادس من أبريل 2019م إلى إعلان التنحي في الحادي عشر من أبريل!! فهو ساذجٌ لا يعرف منعطفات الأحداث وتراكم العمل النضالي الممتد منذ بدايات التسعينيات، مروراً بالانتفاضات المطلبية والشبابية التي أُقيمت في مدن السودان المختلفة وساعدت تلك الاعتصامات في كسر شوكة الإنقاذ وتحريك المشاعر الوجدانية للشعوب نحو التغيير المرتقب الذي قد يُلبي طموح جميع الشعب السودان بالوصول إلى دولة المؤسسات تحت حكم ديمقراطي عادل.
في 2017م كُنت حضوراً في أحد الملتقيات الخارجية التي تُناقش مصير السودان ما بعد الإنقاذ وكيفية إدارة المشهد، وقد ذكرت نقاط ظننت أنها من الممكن أن تكون بوابة عبور للسودانيين نحو أفق تنموي سياسي سوداني جديد، ووجدت تلك النقاط الرفض من البعض والقبول والاستحسان من البعض الآخر.
النقاط التي ذكرتها تتلخص في الآتي:
* الإنقاذ نظام فاسد ومفسد، لذلك يجب التعامل مع مرحلة الفترة الإنتقالية ما بعد الإنقاذ بحرفية عالية ووضع في الاعتبار أن هناك فرقاً كبيراً بين “الحركة الإسلاموية في السودان” كتنظيم عالمي، وبين المؤتمر الوطني كوعاء إنقاذي أصبح مطية للمتسلّقين المنتفعين لحاسين اللبالب، والذي يُعتبر جزءاً أساسياً من ضعف وتخبط حكومة الإنقاذ! ولا بد من وضع اعتبار للأصوات الداخلية في التنظيم الحاكم التي بدأت تنادي بالإصلاح.
* جرائم الفساد الإنقاذي شبيهة بدولاب الملابس الذي يجب أن يبدأ تنظيفه من الأعلى، وفق القانون بعيداً عن المكايدات السياسية.
* الإسلامويين لن يستسلموا للتغيير بسهولة وسيكون هناك صراع ممتد طيلة الفترة الانتقالية.
* ضبط الخطاب الثوري حتى لا يتحول إلى خطاب كراهية مفرطة، ومراعاة البيئة الإجتماعية الهشة بسبب الحرب الدائرة في السودان.
* استصحاب جميع السودانيين في عملية البناء الجديدة دون إقصاء أو تمييز.
* حلقات سقوط الإنقاذ لن تكتمل إلا إذا أعلن قائد قوات الدعم السريع وقوفه مع مطالب الشعب صراحة.
* لا بد من استصحاب المؤثرات الخارجية على التغيير (التقاطعات الإقليمية والمحلية)، ومعرفة مؤشرات الصراع الداخلي بين الإنقاذيين وكيفية استغلاله.
* نتوقع مساندة قوش للثوار وفتح بوابات العبور نحو قصر الضيافة، ولقوش طموح وأحلام بأن يكون حَفتر السودان إلا أن الظروف حول قوش لن تسمح له بذلك لأنه أصبح كرت محروق داخلياً وغير مُرحب به في المحافل الخارجية، لذلك نتوقع اختفاءه من المشهد بسهولة ظاهرياً، لكننا لا نستبعد استمرار مؤامراته ضد التغيير وإرباك المشهد الانتقالي وخلط الأوراق من حين إلى آخر.
* الأزمة الحقيقية التي ستواجه التغيير ستكون: تكالب الأحزاب السودانية نحو السلطة، وسيكون الخطأ كبيراً إذا تمت إدارة الفترة الانتقالية عبر المحاصصات الحزبية.
* وضع حساب لسيطرة الإنقاذيين على مفاصل الاقتصاد ونتوقع إختفاء الصف الإنقاذي الأول فقط، بينما يبقى الآخرون داخل قطاعات الدولة الحيوية يكيدون ضد التغيير إذا لم يشعروا بالإطمئنان على مصالحهم الذاتية.
لذلك إدارة الفترة الانتقالية ما بعد سقوط الإنقاذ لن تكون سهلة.
سقطت الإنقاذ بيسر يدعو إلى إعادة قراءة المشهد لمعرفة حقيقة الأشياء، وطرأ علينا حادث فض الاعتصام المفتعل والمخطط له مسبقاً بهدف قسم ظهر الثورة، وتكالبت علينا أحزاب قوى الحرية والتغيير، وظلّت مخططات قوش القذرة مستمرة، وتحول الخطاب الثوري إلى خطاب كراهية مفرطة ومكتسبات الثورة أصبحت في محك، وضاعت ثلاثة أعوام ما بعد الثورة دون أن يشهد المواطن تغيير حقيقي يطمئنه على أن الانتقال للأفضل قد بدأ، وتطل علينا ذكرى 11 أبريل هذا العام والسودان في مفترق طُرق في أن يكون أو لا يكون!! ولا بد من قراءة المشهد بعين ثاقبة وتأمل واسع وجرد حساب بكل حيادية، لمعرفة الطُرق التي يجب على الجميع سلكها من أجل الوصول إلى توافق وطني يجنب الوطن الانزلاق في أتون الصراعات.