منى أبوزيد تكتب : بمفهوم المخالفة..!
15 ابريل 2022م
“يجب أن نعيد النظر في أمر بعض المسلمات الدينية التي ظللنا نتوارث ترديدها بلا تفكير”.. الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي الأسبق..!
في الموقع الرسمي للشيخ “محمد مصطفى عبد القادر” على شبكة الإنترنت تستوقف الزائر روابط كثيرة بعناوين صادمة على غرار “العلاقة بين التصوف والنصارى”.. “الرد على الفاتح البرعي”.. “الرد على شبهات السمانية”.. “الرد على عصام أحمد البشير”.. “الرد على الحبر نور الدائم”.. “الزنديق طارق السويدان” .. “خرافات الكباشي والصوفية”..إلخ.. وقد يحاول الزائر – في أثناء تلك السياحة المحفوفة بمفردات الإقصاء والتكفير – أن يجد للرجل عذراً، لكنه في الغالب لن يفلح بعد أن تحاصره لغة السباب والشتائم، فيخرج حائراً ليس يدري ماذا فعل الله بسماحة الإسلام، ورحابة المذاهب، وسعة الأحكام، في خطب ومحاضرات شيخ وفقيه مسلم، لم يسلم المسلمون من لسانه و”فمه”..!
على كل حال لا أجد رداً – على مثل هذا النزوع إلى التجريم والتحريم والإيغال في التنافر والتناحر – أبلغ من زيارة إمام وخطيب الحرم المكي الشريف، الشيخ “خالد الغامدي” للشيخ “عبد الوهاب الكباشي” بقرية الكباشي، قبل فترة. وهذا يعني – بمفهوم المخالفة – أن خطيب وإمام الحرم المكي الشريف قد نفى عن هؤلاء الشيوخ وأولئك الفقهاء تهماً خطيرة على غرار الكفر والشرك والزندقة ألحقها بهم الشيخ “محمد مصطفى”. إذ لو كانوا كفاراً أو مشركين لما جالسهم أو خالطهم إمام الحرم، ناهيك عن حجية الزيارة – شد الرحال إلى أهل التصوف في عقر دارهم – ودلالاتها الكبيرة، ورسائلها المتعددة..!
مفهوم المخالفة في أصول الفقه يعني – ببساطة – أن المسكوت عنه يكون مخالفاً للمنطوق به، كما هو الحال في الآية الكريمة (إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً) حيث المنطوق هو تحريم الدم المسفوح، أما تحليل الدم غير المسفوح فهو مفهوم مخالف لمنطوقه، يعرف بالإباحة الأصلية، أو بقوله صلى الله عليه وسلم (أحلت لكم ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال). وعن هذا يقول فقهاء القانون أن لا فرق – في هذه القاعدة من قواعد أصول الفقه – بين النصوص الشرعية ونصوص القوانين الوضعية، وعقود الناس وتصرفاتهم وسائر أقوالهم. من هذا المنطلق تدحض زيارة إمام الحرم المكي لشيوخ الصوفية حجج من يقول بشركهم..!
وقد وقف سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوماً عند مسألة “جواز قصر الصلاة في السفر”، وسأل رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – قائلاً (ما بالنا نقصر الصلاة في الأمن) – أي ونحن آمنون غير خائفين من فتنة الكفار – فأجابه رسولنا الكريم قائلاً (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته).. منشأ التعجب هنا أن سيدنا عمر قد فهم من قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)، وهذا يعني أنهم إن لم يخافوا الفتنة لا يقصرون.. سيدنا عمر استدل على تعجبه بمفهوم المخالفة، ورسولنا الكريم لم يستنكر طبيعة الاستدلال، بل أخبره بأن الله قد وسع على المسلمين ورخص لهم قصر الصلاة في حال الأمن أيضاً..!
المؤمن كيِّس فَطِن يستعين بسعة حكم الخالق على ضيق أحكام المخلوق. لا ضير إذن من إسقاط بعض الأفكار على سقوط بعض المناهج، فهل – يا ترى – من مُذَّكر..؟!