15 ابريل 2022م
إن النخب السياسية السودانية التي ظلت لأكثر من عقود تحكم البلاد تارة بالدبابة، وتارة بالمدنية الناقصة والعرجاء، وهذا الأمر قد استمرّ منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا وإن اختلف نظام الحكمين من عسكري أو مدني، إلا أنه في كلا الحالين يكون الحاكم هو امتداد البيوتات النخبوية وهذا الأمر ليس بمحض المصادفة، إنما نتيجة لتخطيط متوارث ومحكم وكانت له إفرازات تسبّبت في كثيرٍ من المتاعب والمصاعب، فشوّهت مؤسسات الوطن العليا وركّزت الثروة في أيادي وأسر بعينها، وترتّب على ذلك أن يعيش الوطن في أزمات متراكمة أفضت إلى أن تنقسم البلاد إلى جزئين وأشعلت ما تبقى من أقاليم كادت أن تقضي على البلاد لولا لطف الله.
ما أدهشني وحيّرني كلمات أُلقيت في مائدة إفطار رمضاني بالأمس في منزل أمين حسن عمر، حيث بدأ الحديث بتناول قضايا الساحة الساخنة، ولكن ما قاله ناجي عبد الله هو ما استوقفني كثيراً، فهذا الرجل من جهله بأمور الدين والدنيا ونواميس الكون نسي بأن النظام الذي قمعه وقمع معه غير موجود الآن، وأن معظم قادته ورموزه بين صادق ملازم محرابه ومعتقل ومطارد لجرائم تجاوزت كل التخيُّلات، فما فعلته فيه الإنقاذ من تشريد واعتقال وصفه بأنّه صراع أمم سابقة، ولكن ما الفرق بين اعتقال شيخه بالأمس من قبل نظام فسد وأفسد، وكنا نتوقّع منه أن يُطالب من أبناء الشعب السماح والعفو وأن يعيش هو ورفاقه في نقد للذات وتجربتهم السياسية، ولكن ها هو الآن يصب وابل الافتراءات وغضبه على رجل يعمل في صمت وليس له أي تاريخ سياسي وصدام او صراع حول كراسٍ، فالعبارة التي وصفها به إنه لم يفرق ما بين (طز وسبحان الله) وهل الذين فرقوا بين العبارتين الآن بنيت لهم تماثيل وعلّقت لهم أوسمة الشرف والعدالة والنزاهة، بل جلهم أو بعضهم فعلوا في البلاد ما فعلوا ونكلوا بأهلها أي تنكيل وجمعوا من الأموال وشّيدوا من القصور ما لم يجمعه الأولون ولا الآخرون.
وإن القيادة التي جعلها شغله الشاغل، وإن أهل الدين والدعوة إذا لم يترأسوا وتكون لهم مقاليد الأمور، حينها يكونوا قد خانوا الدين والوطن، هذا ما يُريد أن يقوله ناجي عبد الله في منهجه الذي لم يعرفه آباؤنا.
إنما الحقيقة هو مصدوم بأن حكمة الله بالغة وها هو يجد ما كان يستحقره بالأمس في مكتبه هو أصفى وأصدق وأزكى وأشجع منه هو قائد هذه المرحلة وهو الذي يحرسكم وأنتم تكذبون.
يا ناجي قلها واضحة ما لدينا إن نجا عبد الرحيم وأنت الآن بهذه الكلمات تقرع طبولاً وتوقظ عقولاً وتجمع صفوفاً لا طبل لك في النزال معها.
أليس كان بالأحرى والأولى أن تقول بأن عبد الرحيم دقلو رجل له فضل عليّ، وهو الذي امتلك الشجاعة حينما حاصرني الثوار وأنقذني ولولاه ما كنت واقفاً أمامكم.
إن هذا الرجل الذي تنعته بالأمية كان بالأمس تصفونه بالفرسان الشجعان، وهم الذين خالفوا فتاويكم الباطلة ولو أطاعوكم لقتلوا نصف الشعب، بالله عليكم أليس قيادة الدولة من نفس منهجكم حينما أمرهم الرئيس بقتل الثلث ليبقى الثلثان، إن أيامكم يا ناجي وظلمكم قد بلغ مبلغه وطفح كيلكم ولا أمل لكم للعودة دون الشعب السوداني وهؤلاء القادة منهم.
وما نشاهده اليوم من احتدام في الصراع السياسي في مشهد لم تألفه البلاد منذ عقود طويلة ما هو إلاّ نتيجة لهذه العقلية المتغطرسة التي أدمنت السلطة والثروة، لذلك ترفض الآخر وتوقف التنوع وتستنكر التعدُّد.
لماذا القائد عبد الرحيم دقلو بالأمس كان بمقام محمد الفاتح واليوم لا يفرق بين سبحان الله وطز ما لكم كيف تحكمون.
فالثورة عادةً ما تنشأ إلا نتيجة لفشل كل الحلول الروتينية أو المُعتادة، فالثورة إذا كانت مسلحة أو سلمية إنما الهدف الأساسي منها هو إحداث طفرة نوعية شاملة في وقت قصير، وهو كانت ترجوه ثورة ديسمبر المجيدة وهي كانت في الحقيقة فرصة إن لم تكن هدية، كانت قادرة على أن تعطي البلاد فرصة ثانية لتُصحِّح أخطاء وتراكمات الماضي، ولكنها اصطدمت بمتاريس النفعية الضَيِّقة والجهويّة البغيضة وهو مرضٌ أصبح بمثابة السرطان التي لم تنجُ منه خلية في الجسد أهذا هو الوطن الذي كنا نُريده، أن تتنكّر كل ثوابته ويصبح الاتكاء على الجغرافيا الضيقة وكراسي السلطة الزائلة هي أكبر من كل التحديات وأهم من كل المخاطر التي تُحيط ببلادنا.
التاريخ: الخميس 14 /٤ / 2022م