د. عبد الله فتحي يكتب : عوض جبرة..
14 ابريل 2022م
رشفة أولى:
الوليد بن المغيرة داهية العرب، واسع المعرفة والخبرة والتجربة من كبار قادة قريش وزعمائها.. رغم عدم إيمانه برسالة محمد عليه الصلاة والسلام إلا أنه عندما سمع كلام الله الذي أنزله على رسوله (القرآن الكريم) وصفه فقال (إن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وان له لطلاوة، وان عليه لحلاوة).
رمضان السودان يختلف.. بمشروبات الحلو مر والآبري والعصائر البلدية.. الخروج بالطعام إلى الشوارع لعابري السبيل.. احتفاءً بصلاة التراويح.. إعمار المساجد في كل الصلوات.. الإفطارات الجماعية للأهل والأصدقاء.. موائد الرحمن في كل الأسواق وأماكن التجمعات.. كثرة الصدقة والإنفاق.. تلاوة القرآن.
رشفة ثانية:
صلة الأرحام في رمضان أجرها مُضاعفٌ.. في زيارة إلى الخال عبد اللطيف الأمين بحي الشجرة العتيق.. توجّهت إلى مسجد (حاج نور الدائم) لأداء صلاة العشاء والتراويح.. فسمعت صوتاً عجباً.. مزمار من مزامير داؤود عليه السلام.. تداعى إليه أناس من أحياء ومناطق مُختلفة، فالمسجد مزدحمٌ داخله وخارجه.. تجد كل المذاهب والأعمار حضوراً (صوفية. أنصار سنة. شيوخ. نساء. شباب. فتيات وأطفال).. قرأ علينا سورة (يوسف) ولكأني أسمعها للمرة الأولى.. فكأنها تعرض أمامنا في شاشة كبيرة تصور كل مشهد من مشاهدها بتقنية الهولوغرام التي تجسد الناس والأشياء والأماكن بتفاصيلها الصغيرة أمامك ماثلة بحجم كبير تكاد تلمسها بيدك.
(إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) بصوت هادئ ساحر بدأ.. (وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب) فتوجسنا فزعين حتى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وهو يكاد يبكي لحزن يعقوب عليه السلام.. واندهشنا لجمال يوسف عليه السلام (إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) فذهب بنا متفكرين (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) فيعلو صوته مجلجلا (الآن حَصْحَصَ الحق) وسعدنا بها (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) وأباه لا يعلم بل زاد حزنه وحزننا فبكيت وانا أسمع (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) فرق صوته وتعالى في جنبات المسجد لنبل الموقف (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) وبكى جميع من في المسجد.. ساعتان من الإمتاع والخشوع والتدبر.. لم نشعر برهق ولا ملل ولا كثير شرود.. سألت أحدهم عن اسمه فردت مجموعة: (عوض جبرة).
نسمع أسماء الفنانين والفنانات (حسن الصحافة) و(بتول الإنقاذ) و(صلاح الامتداد) فنعرفهم.. لكن شهرة أسماء المقرئين المُجوِّدين المُرتِّلين لآيات رب العزة (ذو الجلال والإكرام) بصوت شجي عذب يأسر القلوب ويرققها ويحببها في كلام الله وانتشارهم في أحياء العاصمة وقرى ومدن الولايات ذاك أمر جميل جديد حسن في المجتمع السوداني.. ومعروفٌ عن خامة الصوت السوداني أنها الأفضل في توصيل المعاني ووضوح النّبرة وقوة المخارج وكان أفضل القراء في المملكة العربية السعودية هو السوداني (محمد عبد الكريم).
وفي حي بالكلاكلة القبة شيخ موسى في (مسجد التقوى) والشيخ الشاب عبد السلام بصوته الجميل الآسر وشيخ نجم الدين بصوته الرخيم الفريد في حلقة تلاوة مسجد عباد الرحمن الذي أداعبه (لو طلعت شريط.. ما محتاج ليك شغل تاني) وشيخ جعفر بالوادي الأخضر وغيرهم كُثرٌ أصحاب الأصوات الفخيمة الرخيمة في تلاوة القرآن الكريم.
رشفة أخيرة:
أتمنّى خارطة برامجية إذاعية وتلفزيونية بكل القنوات الأرضية والفضائية تحتوي حلقات ثابتة لعرض مواهب قراء القرآن الكريم على الجمهور السوداني (مُسابقات للأطفال والشباب والكبار برعاية وجوائز في الحفظ والتلاوة والترتيل) (طرح قضايا عالجها دستور القرآن وربطها بقضايا معاصرة) (تفسير وشرح قصص القرآن واستخلاص العظات والعبر).. أجر ومتعة ونعمة وتفكُّر وعلم وتدبُّر وارتقاء ورضاء رب السماوات والأرض وتلاوة كلامه الحكيم طوال شهور السنة وليس في رمضان فقط.. (توفني مسلما وألحقني بالصالحين)..آمين. و.. معاكم سلامة.