أصدقاء السودان.. هل (الهبوط الناعم) بوابة الخروج من الأزمة؟
الخرطوم: صلاح مختار 14 ابريل 2022م
يتسلل مصطلح (الهبوط الناعم)، هذه الأيام من منصة التصريحات الدولية المعنية بالشأن السوداني، والمُعارضة لإحداث تغيير سياسي في نظام الحكم، ويصف خبراء ومراقبون المصطلح بأنّهُ محاولات إعادة إنتاج الأزمة بشكل جديد ومنحه دورات مفتوحة وتمكين النظام السابق عبر إيجاد آليات تمكنه من الاستمرار أو البقاء وهو أمر يشكل عنصر ضغط على أصدقاء السودان الذين لا يجدون مفراً من قبول المصطلح.
جمود سياسي
وفي هذا الإطار، قال الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هيدسون ان الجمود السياسي والانهيار الاقتصادي أفقد مجموعة أصدقاء السودان صبرهم، في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة أن نصف سكان السودان عرضة للمجاعة، واوضح هيدسون أن سلسلة الاجتماعات الأخيرة في كل من القاهرة والرياض وأبوظبي، تُشير إلى أنّ أصدقاء السودان بدأوا يفقدون صبرهم وبسرعة، بشأن الجمود السياسي والانهيار الاقتصادي الوشيك، وقال إنهم بدأوا يبحثون عن وسيلة لإنشاء (هبوط ناعم) حتى لو كان الأمر على حساب الطموحات الديمقراطية للسودانيين حال انتظام الفوضى في السودان هذا بجانب حاجتهم لموقف السودان الداعم في ملف سد النهضة، ولفت هدسون في مقال تحليلي نشره (موقع ديمقرسي ناو) الى ان ارتفاع أسعار الخبز والسلع الأساسية وانخفاض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية والمجاعة الوشيكة، دفعت الجهات المانحة للبدء في التخطيط لحالات الطوارئ الإنسانية الجديدة في المناطق الحضرية في البلاد، وأشار الى أن أصدقاء السودان شرعوا في البحث عن مدخل لإعادة إنشاء برامج لأغراض وإغاثة السودان في تجنب الانهيار المالي القادم.
الهبوط الناعم
إذن مصطلح (الهبوط الناعم) بدأ يطفو على سطح الأحداث السياسية الداخلية، وتحول المصطلح الذي يعني الوصول إلى تسوية سياسية عبر الحل السلمي، إلى أحد أهم مرتكزات العمل السياسي السوداني، وبات من المألوف تداوله بين القبول والرفض له على مستوى الأحزاب الفاعلة في المعارضة والحكومة على السواء، وفي نقاشات الشارع السوداني بالتالي الدعوة إلى التسوية السياسية لم تكن جديدة على المشهد، ولم تطرح حديثاً.
ثقة الطرفين
ربما يرى البعض أنّ أدق وصف للتحول الذي حدث في السودان بعد ثورة ديسمبر حتى الآن هو مصطلح الهبوط الناعم. ويجمع مراقبون على أن ما تم من تحول حتى الآن تم عبر هبوط ناعم، مما يتطلب أن يثق الجانبان (القوات المسلحة والمعارضة) في بعضهما البعض وتعزيز بناء هذه الثقة في ظل الضغوط القائمة ومن جهات مختلفة داخلية وخارجية إقليمية ودولية، الأمر الذي قد يقتضي تقديم تنازلات من الجانبين حتى يبلغ التحوُّل غاياته ومداه.
ويقول المحلل السياسي د. أبو بكر آدم إن المتغيرات الداخلية والازمة السياسية وحالة انعدام الثقة عوامل تفرض على الوسطاء دعم فكرة الهبوط الناعم لإيجاد صيغة تجمع بين المعارضة والمكون العسكري لادارة امر البلاد، وقال لـ(الصيحة) ان تجنب شبه الانهيار السياسي والاقتصادي في ظل تمترس القوى السياسية في مواقفها وانسداد أفق الحل السياسي, دفع للبحث عن مخرج حتى وإن كان على حساب ثوابت البعض.
وقال إن القوى الدولية يهمها ما يجري في السودان لأنه ليس بمعزل عن ما يجري على المحيط الإقليمي والدولي، مضيفاً: ربما تقاطع المصالح الدولية والإقليمية في السودان واحدة من الدوافع التي تستدعي الحديث عن الهبوط الناعم، بالتالي الهبوط الناعم خيار مر تفرضه المتغيرات على المعارضة السودانية للقبول بالحد الأدنى تفادياً لمخاطر قادمة.
إطاره الكلي
ويقول المحلل السياسي د. الفاتح محجوب إن العمل السياسي يجب أن يقرأ في إطاره الكلي مع الدعوات والمناورات السياسية للرد بين الاطراف المختلفة، وقال في حديث سابق لـ(الصيحة) إن هناك من القوى السياسية من لا يرغب ولا يريد ان يكون لحزب آخر يد في تشكيل الحكومة المقبلة، لذلك تعمل على إقصائه ما أمكن ذلك بالعمل على طرح حاضنة مختلفة، بالإضافة الى أشياء هلامية، وإن المحصلة النهائية صراع سياسي، وأضاف قائلاً ان الدعوات السابقة غير جادة لاستيعاب الإسلاميين، وإنما مناورات فقط.
إعادة الاعتبار
ويرى المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر ان الحديث عن الهبوط الناعم هي وسائل للوصول للسلطة، ورأى أن مسألة التخوين والإساءات للآخرين ليست جزءا من تركيبة ما بعد الثورة، وانما بعد الثورة للكل الحق في التعبير ومرحب به من يريد بناء السودان، واعتبر في حديثه لـ(الصيحة) ان الهبوط الناعم عمل يسيئ للبلد ولابد من إعادة الاعتبار ووضع أسس لمنع التدهور.
أمام خيارين
عندما وجدت لجان المقاومة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، اما ان تسير في نفس خط الأحزاب التي فشلت وتساقطت من خلفها كل الشعارات الثورية، وإما أن تلتقط القفاز وتنفض الغبار وتسحب يدها من تحالف قوى الحرية والتغيير لتبدأ مرحلة جديدة بعيدة عن تحالف قوى الحرية والتغيير، فإنها اختارت الثانية ومضت في طريقها.
وقال القيادي بلجان المقاومة أزهري الحاج، إنها مرحلة فاصلة وتصبح جديرة بالمراجعة والتدقيق، ويقول في حوار سابق مع (الصيحة) الانسحاب أصبح أمراً واقعاً، لأن قوى التغيير لا تسمى قوى الثورة ولا تعبر عنها ولا تُحظى بإجماع قوى الحرية والتغيير، وانما تعبر عن الهبوط الناعم وهي قوى تعبر عن الأشخاص ولا تعبر عن أهداف الثورة، بجانب دخول المحاصصات وأصحاب الغنائم ولا تأبه ولا تهتم بقضايا القصاص أو القضايا التي قامت من أجلها الثورة, وبالتالي هي قوى غير معنية بقضايا الشعب، وإنما بالمحاصصات وهو أمرٌ مرفوضٌ عند كل اللجان وقوى الثورة الحية، وبالتالي الثورة الأخيرة تم اختطافها وتحويلها الى مصالح حزبية.