لم تخسر الثورة والثوار في الأسابيع الأخيرة خسارة فادحة لا تقدر بثمن بقدر ما خسروا من أزمة المتاريس والعصيان، هذه الأزمة أعادتهم للمربع الأول، بل وضعتهم في مواجهة مع المواطنين، وباتت الثورة تواجه نفسها من خلال متاريسها، حيث أن المتاريس تمثل اللا سلمية التي ظلت تلاحق سلمية الثورة نحن لم نشهد ثورة أكتوبر ولكنني أعتقد أنها عانت من ذات الأسلوب الذي تكرر بعد مضي نصف قرن ونيف، حيث أن عقلية قادة الثورات في السودان ذات العقلية العتيقة التي تستخدم أسلوب الموضة لدى الثائرين، وهي السلمية وأسلوب العراقيل والمتاريس الذي يتبناه قادة الثورة السياسيين، ولعل هذا الأسلوب خصم كثيراً من حظوظها في التأييد لأنها باختصار ضرت نفسها من حيث تنفعها، ونفعت خصمها من حيث تضره طالما استنجد المواطنون بالقوات النظامية، من أجل ازالة متاريس ثورتهم، لأنها أعاقت حركتهم، كما أنها أغفلت تماماً حاجتهم المستمرة للتزاور والعلاج وشراء الحاجيات، علاوة على أنها كانت السبب المباشر في ندرة المعروض من الحاجات اليومية، وارتفاع أسعارها بصورة تفوق التصور، حيث يتحجج مقدمو الخدمة بأنهم يجلبونها عبر الأزقة والحواري.
هذا الأسلوب القديم الجديد مرفوض، وقد ترك صورة قبيحة جداً في أوساط عامة الناس عن الثورة، وكان هو السبب الأساسي في الانفلات الأمني والذي أدى بدوره لمزيد من التعقيد في المشهد بالنسب للمواطنين الذين شعروا بأن ما يجري على الأرض يناهض شعارات (الثورة حرية سلام وعدالة) ، وقد أبدى كثير من المواطنين غضبهم واستنكارهم لهذا التصرف الذي لم يكن متوقعاً من قوى الثورة.
إن الدروس المستفادة من خلال الممارسات التي قامت بها قوى الحرية والتغيير وشباب الثورة إبان عطلة العيد، والتي توجت بالدعوة للعصيان المدني الذي أثبت فشله تماماً مما دعا قوى التغيير لتلافي السقوط المدوي لورقة العصيان المدني المسارعة برفعه لتجميل وجههاً بدلاً من الاعتراف بفشله. والعصيان المدني عقب المتاريس هو من أخطر الأوراق لا تقدم على استخدامه قوى سياسية ذكية إطلاقاً، لأنه يعني إحكام القبضة على تحركات المواطنين ومعاملاتهم، ومن ثم تجميد وتعطيل أسباب معاشه للضغط على الحكومة، وفي الغالب فإن المواطنين لا يستجيبون، وهذا ما حدث، وكشف عن ثقوب وعيوب واختلالات في مركزية إدارة التخطيط للثورة والعقلية التي توجه الثوار، نقول كذلك إن الدروس المستفادة تُوجِب على قوى الثورة إعادة ترتيب البيت من الداخل، والتخلي عن الضغوط الكثيفة على المجلس العسكري والتفكير الجاد في الحوار، لكونه الطريق والوسيلة الوحيدة للحل والابتعاد عن استخدام آمال وطموحات المواطن لتصفية خصومات ومناكفات مع الشريك الأكبر المجلس العسكري، فالثوار كان منوط بهم انتزاع حقوق المواطنين ومناصرتهم، وليس التخريب والدمار.