في أول ظهور للبشير.. توجيه أكثر من تهمة
الخرطوم: أم سلمة العشا
تصوير: محمد نور محكر
سيطر الهدوء التام على محيط، مقر نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية، بالعمارات شارع (53) بكل الاتجاهات، فالحركة لم تكن طبيعية كالمعتاد لقاطني تلك المنطقة، الانتشار الكثيف، لسيارات الدفع الرباعي، “التاتشرات” التوجس، والخوف، عم المكان المخصص للنيابة ومحيطها، خلت الشوارع، منذ العاشرة صباحاً من المارة، ولم يجرؤ أحد على التجوال، نسبة لتواجد قوات الجيش والدعم السريع، بكافة الجوانب المحيطة للمنطقة، كانت تلك القوات تشير على أصحاب السيارات بتلك الطرق باتخاذ طرق بديلة بخلاف الطريق المعتاد، دون توضيح الأسباب التي تحول دون سيرهم في الاتجاه المعتاد.
تأهب واستعداد
طوقت سيارات الدفع الرباعي، للجيش وقوات الدعم السريع، المعروفة بـ(التاتشرات) وعلى متنها مجموعة من الجنود، عددهم بين (10-15) جندياً، في العربة الواحدة، مبنى نيابة مكافحة الفساد، حيث تم تزويد أي سيارة بكامل العتاد العسكري، وقد أحاطت أكثر من خمسين عربة تاتشر بمحيط وجوانب ضاحية “العمارات”، بدءاً من شارع (41) وحتى مقر نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية بشارع (53).
في المقابل اصطفت محموعة كبيرة من مراسلي ومصوري القنوات، الفضائية العالمية، والمحلية، الرسمية بجانب عدد مقدر من الصحفيين تأهباً واستعداداً لالتقاط صورة الرئيس السابق عمر البشير فور وصوله مقر نيابة مكافحة الفساد، التي تتولى أمر التحقيق معه، منذ تدوين بلاغات في مواجهته، والتحقيق والتحري معه طيلة الفترة السابقة.
هدوء تام
حصل جميع مراسلي القنوات الفضائية، العالمية والمحلية والرسمية، داخل الخرطوم على معلومات تفيد بأن الرئيس السابق سيتم ترحيله من سجن كوبر بضاحية “بحري” إلى نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية، فكانت جميعها حاضرة، منذ العاشرة صباحاً، تتنظر في ترقب وحذر حضور البشير، كان في المقابل وفقاً لذات المراسلين، وجود بعض مراسلي القنوات في سجن كوبر تنتظر ترحيل البشير، كانت الهمسات بصوت منخفض هي الأكثر حركة بجانب حركة ممثل الشرطة الذي وجه بكل ذوق، واحترام من عدم الدخول إلى النيابة، وفقاً للإجراءات الأمنية الاحترازية، حتى انتهاء المهمة بسلام.
توجيه التهمة
معلومات مؤكدة أفصح عنها رئيس النيابة العامة الوليد سيد أحمد محمود خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده أول أمس، بتوجيه التهم إلى البشير، وأنه ستتم إحالته إلى المحكمة الأسبوع القادم، بعد انقضاء مرحلة الاستئناف، التي كفلها القانون لأي متهم، بجانب تدوين نحو 41 دعوى جنائية ضد رموز النظام السابق.
غير أن سير الإجراءات القانونية، يحتم على أهل القانون تكملة المهمة على الوجه الأكمل، ورأت نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية، أن يتم تبليغ البشير بحضوره بتوجيه التهم الموجهة إليه، بعد اكتمال إجراءات التحري، والتحقيق، التي تتعلق بحيازة النقد الأجنبي، والثراء الحرام، والمال المشبوه، بجانب إخطاره بحق استئناف قرار توجيه هذه التهمة خلال أسبوع لوكيل أول النيابة، كما أبلغت نيابة مكافحة الفساد، الرئيس حال رفض الاستئناف، عليه أن يستأنف مره ثانية، لوكيل النيابة الأعلى، ويعتبر هذا القرار قراراً نهائياً.
وكان النائب العام المكلف، الوليد سيد أحمد محمود وجّه في مايو الماضي، باستجواب الرئيس المخلوع في الدعوى الجنائية رقم 40 2019م تحت المواد 6/1 من قانون التعامل بالنقد الأجنبي، والمادة 15 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
طول انتظار
بعد طول انتظار يفوق الخمس ساعات، عدل جميع المصورين كاميراتهم وأظهروا استعدادهم التام، كل يحلم بأن يظفر بالتقاط صورة للبشير، حينها كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصراً، والجميع يترقب وصول البشير، وصلت مجموعة كبيرة تفوق العشرين عربة تاتشر، مدخل نيابة مكافحة الفساد، من الناحية الغربية، تقدمت نحو (10) تاتشرات، عربة لاندكروز، بيضاء مظللة، بداخلها البشير ومن خلفها عشر عربات آخرى طوقت جميعها المكان، الذي أصبح عبارة عن ثكنة عسكرية.
أول ظهور
في أول ظهور للبشير بعد الإطاحة به في الحادي عشر من أبريل، ومرور (65) يوماً، من احتجازه بسجن كوبر، قررت نيابة مكافحة الفساد، اقتياده من محبسه بسجن كوبر، إلى مقر النيابة بالعمارات، كانت اللحظة الحاسمة للجميع لرؤيته، وهو يرتدي الزي القومي “جلابية وشال وعمامة” من سجن كوبر إلى مقر نيابة مكافحة الفساد تحت إجراءات أمنية مشددة، ظهر البشير بجلبابه الأبيض وعمامته وشاله، فالرجل ما زال في كامل أناقته، ولياقته البدنية، كان اللافت في الأمر أنه لأول مرة، لم يتّكئ على “العصا” التي اعتاد أن يحملها، في كل جولاته وصولاته الخارجية والداخلية، وبالرغم من البياض الذي بدا على ملابسه، إلا أن ملامح وجهه قد بدأ عليها الإعياء والتعب، فقد ظهر شاحباً واكتست لحيته بالشيب، كما أن لونه مال إلى السواد، الذي ملأ جوانبه، نصف ساعة كانت بمثابة الفترة الزمنية التي قضاها البشير، داخل نيابة مكافحة الفساد، تم خلالها بإخطاره وتبليغه بتوجيه كل التهم المنسوبة إليه، في حضور هيئة الدفاع عنه.
هيئة دفاع
تكوين هيئة للدفاع عن أي متهم حق كفله القانون بعد اكتمال كافة إجراءات التحري والتحقيق، وتوجيه التهمة للمتهم، لم يغفل القانون هذا الحق، فقد منح البشير حق الدفاع عن جميع ما نُسب إليه من تهم، فكان من بين الذين شكلوا حضوراً ظهور المحاميين الضليعين، هاشم الجعلي، ومحمد الحسن الأمين، وبحسب مصادر تحدثت لـ(الصيحة) أن هيئة الدفاع عن البشير تتكون من (72) شخصاً، جميعهم تطوعوا للدفاع عنه، وأفادت المصادر أنه لأسباب موضوعية وعملية، سيتم تحريك، عدد معين من المحامين النشطين، بلغ عددهم نحو (15) محامياً للدفاع عن البشير في هذه المرحلة.
وكشفت المصادر أن التهم التي وجّهت للبشير تتعلق بحيازة النقد الأجنبي، ورأت ذات المصادر القانونية، أن لرئيس الجمهورية، أن يحوز على مبالغ، ونوهت: يجب أن يكون مصدرها والتصرف فيها صحيحاً، وكشف أن المحامين بدأوا في تجميع المعلومات والتقارير المتعلقة بتوجيه التهمة للبشير.
تأكيدات قاطعة قطعتهاهيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع، وفقاً لمصادر تحدثت للصيحة، وذكرت أنها مطمئنة لموقف البشير حيال التهم التي وجّهت إليه.
ويواجه البشير ــــــ بحسب التهم التي وجّهتها نيابة مكافحة الفساد ــــــ خمس تهم تتعلق بالمادة (5/9) حيازة النقد الأجنبي، والمادة (6) من قانون الثراء الحرام والمشبوه، لسنة 1989، والمادة (2/7) أمر طوارئ رقم (3)، والمادة (3/8) أمر طوارئ رقم (6)، كما يواجه في المادتين، حيازة نقد سوداني، يتجاوز المبلغ المقرر، وأكدت المصادر أنه تم توجيه التهم المذكورة، للبشير، وإخطاره بحقه كاملاً في استئناف قرار توجيه التهمة خلال أسبوع.