8ابريل 2022م
كنت قد عنونت مقالي هذا بـ( لي في المسالمة غزال) فوجدت نفسي مسترسلا في ( ظبية المسالمة )… عموما الظبية او الغزال جمعت بينهما المسالمة وهي ما يهمنا وكلاهما سيان…. حقيقة كنت أود الكتابة عن الاغنيتين لكني وجدت ذلك صعبا وربما يطول… لم يحظ حي من أحياء أم درمان بما حظيت به المسالمة في الحقيبة وما تحمله من قصص وحكايات عن المسالمة وبنات المسالمة وهيام شعراء الحقيبة بحسان المسالمة ذوات ( اللون الأبيض) ولعل هذا اللون هو ما جذب هذا الكم الهائل من قصص الهيام و(الحوامة) بالمسالمة هناك كثير من أغنيات الحقيبة ذات علاقة وطيدة بالمسالمة الا انني لن أتعرض للقصص والحكايات المرتبطة بالأغاني بقدر ما سيكون التركيز في هذا المقال على ما ورد به اسم المسالمة صراحة في الأغنية فاتحاً الباب لمن يؤمنون بالقصص الملحقة بأغنية الحقيبة ليدلو بدلوهم في (اغاني المسالمة) وكما هو معلوم أن حي المسالمة هو حي يسكنه (الأقباط) وبعض اليهود مع بقية إخوانهم من أهل السودان و هناك حقيقة يجب الوقوف عندها وهي أن الأقباط هم في الأصل مصريون وما أدل على ذلك من اسم مصر باللغة الإنجليزية Egypt (قبط) وعليه فالاقباط هم أصيلون في مصر كما يقول اسمها باللغة الإنجليزية.
سوف أتعرض اليوم لأغنية تغنى بها المرحوم أحمد المصطفى وهي للشاعر عتيق و(كسرتها) الشهيرة للجاغريو.
(بنت النيل) يقال إن هذه الأغنية لها شاعران وكأنهما الأبيض والأزرق التقيا وكونا اغنية ( بت النيل) النيل الذي اشتهرت به مصر ( هبة النيل) ولم يُعرف به السودان
تقول الأغنية:
يا بنت النيل النيل
احب النيل يا جميل
وكأنه في بداية الأغنية يريد أن ينفي سودانية هذا ( الغزال أو الظبية) ويؤكد انها (هبة النيل) وإحدى بناته وكل ما هو منسوب للنيل فهو في مخيلتنا مصري أو بالأحرى قبطي Egyptian ويزدنا تنبيهاً بأنها من أقباط المسالمة قائلاً
يا ظبية المسالمة
ألفي الحدائق حالمة
نفديك يا ظالمة
واللحن الجميل يجعل كلمة ظالمة تتكرر خمس مرات وهو يكرس عظمة الظلم الذي وقع عليه وعلى (السودان ذاااتو) … وهنا أتوقف قليلاً عند العلاقة بين مصر والسودان الذي تكاد هذه الأغنية تجسده تجسيداً حقيقياً وهذا يذكرني تماماً بحادث كبير وشهير في اوائل التسعينات عندما أصاب العلاقة بين البلدين بعض السوء استولت الأجهزة الأمنية لنظام الإنقاذ البائد على جامعة القاهرة فرع الخرطوم وأسمتها في ذات اليوم غيظاً (جامعة النيلين) ونصبت (حجر) مديرا لها وكأنها تريد أن تنفي عنها (مصريتها)… الغريب اننا حتى في أدبياتنا وفي فرحنا وغضبنا نهب النيل لمصر لتطلق على نفسها (هبة النيل) رغم أن النيل نفسه يجري في السودان تقريباً ضعف المسافة التي يقطعها في مصر.. ظبية المسالمة القبطية اسميناها (بنت النيل) وهذه حالة فرح ونشوة وغضبا اسامينا (الفرع) جامعة النيلين ولم نقل النيل حتى لا نشعر أنها مصرية.. ثقافتنا أو ما فُرض علينا من ثقافة يجعلنا نصر أن النيل مصريٌّ (وهو غير ذلك) وعلاقتنا مع مصر تصبها الجروح فوق جروحها بين فترة وأخرى أو كما قال عتيق لظبية المسالمة
تجرحني لييه
وانا كلي جراح
لأبد يجي يوم
القاك وارتاح
وهل هناك جريح غيرك يا وطني.. وتقرر الأغنية انها جراح لا تندمل الا بذاك اللقاء الذي ظل وسيدوم مرتقباً
عاش الأقباط بالسودان عشرات العقود من الزمان وتجنسوا بجنسيته وربما أحبوه كوطن ثانٍ
لكنهم ظلوا طوال هذه العقود منغلقين على أنفسهم وجماعتهم ونحن نكذب ونقول اننا نعيش في ود وسلام.. لا أريد القول بأنه لا يوجد سلام بقدر ما أنني اطعن كبد الحقيقة لقد ظل الأقباط وهم لطفاء ومسالمون الا انهم لم يتأثروا بثقافة أهل السودان بقدر ما أثروا هم في ثقافتنا فظلوا على مدار السنوات العريضة يحتفظون بلهجتهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم وحتى سلمهم الغنائي لا تهزهم الدلوكة ولا الطمبور أو الوازا ولا الدوبيت أو الحقيبة … حتى التوب السوداني لم يدخل ثقافتهم إطلاقاً.. رغم كل هذا الغزل وأغنيات المسالمة والبكاء والنواح إلا أن حالات الزواج منهم تكاد تحسب على أصابع اليد الواحدة خلال قرن من الزمان وهم بعيدون كل البعد عن (الدوال) السودانية دوكة.. دكوة دلوكة.. دلكة.. دانقا.. دوبيت.. ودخان الكليت والشاف. الأقباط عاشوا في مجموعات شبه مغلقة لها ثقافتها الخاصة.. ربما يجد حديثي هذا الرفض منهم أو من بعضنا رغم أن منهم كثير من الزملاء والأصدقاء والرؤساء الذين عملت معهم في بنك الوحدة وبنك الخرطوم وهم كثر في هذا المجال الا ان حديثي حقيقة أدعو أهل التخصصات لخوض غمارها.
لا أدري إن كان الجاغريو يدري كل ذلك ام لا عندما (كسر) هذه الأغنية كسرة حشد فيها ما حشد من شخوص
يا اللابسة عفافك حُلة
لهجك للحنضل حل
ود حمد يا زعيم الحلة
من ريدن كيف ننحل
واظن أن الجاغريو هنا خرج عن تلك الطيبة وأتى بأخرى حشد لها الاهل والأصدقاء من الدبيبة والعيلفون
شيخ إدريس قوم نتسلى
انا عقلي فارق وولى
ريدي السبب لي علة
الصديق يا ود دفع الله
ثم يفرد مساحة لصديقه ورفيقه عبد القادر مضوي يختم بها هذه الكسرة الكاسرة للفكرة
يا السهمك لينا مبادر
أنا فكري نازل وسادر
في الجيل مثالك نادر
دا الجنون عبد القادر
تحدث عتيق عن ظبية المسالمة اما كسرة الجاغريو فقد كانت تحكي عن غيرها تماماً حاضرها النيل الأزرق ومنحني العيلفون
وبعد سد النهضة لا أدري ما هو مصير العلاقات بين مصر والسودان وهل سنظل نغني (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة) أم أن المغنية القبطية (مونيكا) ذات الحناء والدلكة والدخان وتوب السودان سوف تغير المسار بعد الظهور المتأخر مع الدلوكة.
سلام