بعيداً عن الغلو السِّياسي..!!
حزب الأمة القومي عُرف تاريخياً بأنّه حزبٌ أخطبوطي وأبوي، يعتمد مساره وكادره السِّياسي على كاريزما وإمكانيات الرجل الأول في كل الأحوال المادية والتقديرات السِّياسيَّة، وعادةً ما يكون الرجل الأول من آل بيت المهدي، ومعروفٌ أنّ حزب الأمة يستند على تاريخ وطني طويلٍ اختلف الناس أو اختلفوا، حيث ارتبط ظُهُوره بالحركة الوطنية والاستقلال مع صنوه الوطني الاتحادي، قبل أن يصير الاتحادي الديمقراطي ويُمكن أن نسمِّيهم (كتلة العمل الوطني) إذا جاز التعبير لدورهما في حشد القُرى والفرقان ونخب المُدن لمُقاومة الاستعمار وهذا تَاريخٌ مَحفوظٌ في الصُّدور وبين السطور مع كثرة المُلاحظات في الأداء الداخلي لهذه الأحزاب، وغياب الديمقراطية، وضيق مساحة تداوُل القيادة داخل حزب الأمة تحديداً، لكن الحقيقة أنّ حزب الأمة استطاع مُواصلة نضاله وأوصل أفكاره إلى أوسع دائرة مُمكنة على امتداد البلاد وهذا يُؤهِّله ويجعلنا نقول بأنّه أكثر أحزاب قوى الحرية والتغيير تمكُّناً في كسب أيِّ رهانٍ ديمقراطي منافس حقيقي للإسلاميين وبفاعلية نشاط تفوق كل أحزاب (الشنطة) و(الصفقة) التي أبرزها (البعث – الشيوعي – الناصري) نماذج وليس حصراً.
إنّ نظرتي الشخصية حول حزب الأمة وطريقة حركة كادره داخل الهياكل، تظل ثابتةً ما لم يتغيّر هذا الحزب، لكن الحق أحق أن يُتّبع أن الإمام الصادق المهدي هو الأكثر تأهيلاً سياسياً والفُرص والخيارات مُتاحة أمامه أكثر من غيره بأن يقدِّم نفسه بقوة دُون تردُّد مُتجاوزاً قوى (قحت)، لأنّها منظومة سياسية لم تحترم تاريخ الصادق المهدي، فهو الذي بعد وفاة شيخ حسن الترابي ومحمد إبراهيم نقد وضعف مُساهمات مولانا مُحمّد عثمان الميرغني ووفاة علي محمود حسنين، قد جاءته الفُرصة ليكسب الرهان ومُعالجة أخطائه السابقة وتحقيق حُلمه بطرح حزبه مُشاركاً القوى السياسية لوحده، واضعاً كل الحُمولات الزائدة من أحزاب قوى الحرية والتغيير جانباً، بل أرضاً، حيث لا يزال كثير من القاعدة الأنصارية تُدين له بالولاء والتأييد الشعبي برغم حالة الاستقطاب، وأنّ المؤتمر الوطني نَالَ الكثير من عُضويته والانشطارات قد أنهكت حزب الأمة لكنه أفضل السيئين حالاً وبمقدُوره الاستفادة من ضعف أحزاب (قحت)، التي قدّمت نماذج هشّة في التّعامُل مع قضايا وأولويات الجماهير ومطلوبات الحكم بسياساتها الديكتاتورية العَنيفة التي هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية والحُرية.
هذه أحزاب أثبتت أنّ هدفها الأسَاسي هو الوُصول إلى السُّلطة، وأنّ الصادق المهدي تَميّز عنهم، بل تَميّز حزب الأمة عن كُل التّنظيمات السِّياسيَّة المُوقّعَة على إعلان الحُرية والتّغيير بالحكمة والموضوعية في كثيرٍ من أفكاره، التي قُوبلت بالسُّخرية والتّهجُّم من قِبل (قحت)، لكنّها كانت الأصوب، وكان يُمكن أن تكون قواسم مُشتركة توفِّر رؤية سياسية وتُترجم في برنامج سياسي يُعرض على الشعب عبر انتخابات حُرة ونزيهة.
الصادق المهدي لا تزال الفُرصة أمامه لإقامة تَحالُفات سياسيّة مُنتجة ويُمكنه التأثير على الراهن السِّياسي بصُورة مُثمرةٍ أكثر من طريقة التظاهرات والتخندق المُستمر في صف المُعارضة بدون طرح بدائل.
حزب الأمة والإسلاميون بكل تياراتهم، وحزب المؤتمر السوداني والاتحادي الديمقراطي هم الأكثر حظاً واقتراباً برامجياً، وبمقدُورهم صناعة كُتلة سياسية تنتشل الوطن من وحله، لأنّ أولويات هذه الأحزاب مُتقاربة، بل مُتطابقة، وبهذه التوليفة يُمكن المُساهمة في نمو الديمقراطية في بلادنا، فكل واحد من هذه الأحزاب لديه أسلوبه ومنهجه واتّساع رؤيته ومفهوم الاقتراب من الشعب بكل طبقاته، كما أنّ كل من هذه الأحزاب يمتلك القدرة في التخلُّص من القُيُود التي ارتبطت بمسيرته والإسهام إيجاباً في تسديد النقص، وأن يكون مُكمّلاً للجوانب غير المُتوفِّرة في الطرف الآخر.
الخلاصة.. كل هذه الأحزاب لديه ميزات غير مُتوفّرة في الآخر.. فهل يلتقط إمام الأنصار القفاز ويمسك كتاب المرحلة بقوةٍ لا تعرف التردُّد والتلكؤ..؟