الخرطوم: مروة كمال
أسهمت الأحداث الأخيرة في وقف العديد من الشركات رحلات طيرانها إلى الخرطوم وخروجها من السوق، مما أحدث أزمة كبيرة في حركة الطيران وصعوبة الحصول على تذاكر طيران للعديد من الدول، وترتب عليه ارتفاع كبير في التذاكر، ويتفق خبراء اقتصاديون على أن توقف عدد من الشركات الوطنية والأجنبية وانسحابها من السوق، يعود إلى أنها مواجهة بحزمة مشكلات على رأسها تقلّبات سعر صرف العملات الحرة وصعوبة الحصول عليها، وارتفاع أسعار الوقود وتكلفة التشغيل والصيانة، الضرائب، الجمارك والتأمين، فضلاً عن أن السبب الأساسي لأزمة الطيران في البلاد، غياب سياسة قومية واضحة، والرسوم المتعددة في المطارات، بجانب أزمة النقد الأجنبي، ووجود مشكلات في الوقود، التي تواجه الشركات الوطنية، والتي أسهمت بشكل مباشر في رفع أسعار التذاكر الداخلية، خاصة الرحلات البعيدة في غرب وجنوب السودان، بجانب شراء تذاكر الطيران الخارجي بالدولار، ما أثر سلباً على حركة الرحلات، وتراجع معظمها إن لم يخرج من السوق بسبب عزوف المواطنين عن السفر جواً، واستبداله بالسفر عبر البصات.
وشهدت أسعار الطيران ارتفاعاً كبيراً بلغ 20% تزامناً مع عمرة رمضان واقتراب عيد الأضحى المبارك، حيث شهد سعر تذكرة الخطوط الجوية السعودية 55 ألف جنيه، والقاهرة ذهاب فقط 45 ألفاً والأثيوبية 765 دولاراً كأقل سعر، والتركية 876 دولاراً.
فيما بلغت تذكرة العمرة لـ”تاركو” و”بدر” 40 ألف جنيه، وطيران “ناس” عمرة 1200 ريال، وتاركو القاهرة 46 ألف جنيه، وبدر 38 ألف جنيه، والمصرية 560 دولاراً، فتعليق الخطوط الأردنية رحلاتها إلى السودان لم يكن جديداً، فهنالك شركات أخرى قامت بخفض رحلاتها متمثلة في الخليجية إلى 5 رحلات بدلاً من 7 رحلات، والأثيوبية إلى 12 رحلة بدلاً من 21 رحلة، وسبقتها في ذلك الخطوط الجوية الكينية والأمارتية وطيران الاتحاد، أوقفت مبيعاتها في السودان في الشهر الماضي، بسبب إلزام الطيران المدني السوداني، وكالات السفر بعدم بيع التذاكر بالدولار.
ضاق بها الحال
الدولار ليس وحده من أقعد برحلات الطيران، وإنما السياسات ودور التشريعات، وعدم استقرارها..
هذا ما ذهب إليه عضو مجلس إدارة سودانير السابق والخبير الإقتصادي الدكتور محمد الرمادي، وقال لـ(الصيحة) إن القطاع أصابه ما أصاب الاقتصاد من هزة وانهيار لجميع القطاعات، وأضاف أن الشركات التي انسحبت ضاق بها الحال في شراء التذاكر بالمحلي، وتعثر في تحويل هذه المبالغ بالدولار خارجياً، في ظل فقدان المقدرة على العملات الأجنبية، لافتاً إلى تفاقم الأمر عندما طلب منهم شراء الوقود بالعملة الأجنبية، فأصبح المناخ غير مواتٍ للعمل، مؤكدًا أن البلاد تجاوزت مرحلة الركود إلى الجمود والدخول في مرحلة الانسداد الاقتصادي، وتعطل المرافق جميعها لأسباب اقتصادية تجارية بات العمل فيها غير مجزٍ، وعزا الوصول إلى هذا الوضع بسبب إهمال القطاعات كثيراً بالرغم من مناداة الخبراء الاقتصاديين بضرورة تدارك الموقف ولا أحد يستجيب.
وأكد الرمادي أن الناقل الوطني في ظل الظروف الحالية ليست لديه القدرة في سد هذه الفجوات وليس أمامه سوى التعامل مع جهة خارجية لمساندة البلاد، بمعنى الإسراع بإيجاد شريك إستراتيجي، وناقل وطني عالمي خاصة الأوربية للمساندة.
وتكون الخرطوم محطة بعدها تتولى الخطوط السودانية بقية أنحاء إفريقيا، وليس البيع، فما حدث من بيع لخطوط طيران خاطئ وجريمة في حق الوطن، مشيراً إلى أن البلد تدار بأسلوب أبعد ما يكون عن المنطق الاقتصادي.
عدم وجود مرجعية
ويشير الخبير الاقتصادي، د. الفاتح عثمان لـ(الصيحة)، أن تذاكر السفر كانت ثابتة في أسعارها عندما كان بنك السودان المركزي، يلتزم بسداد قيمة التذاكر بما يعادل السعر الرسمي للدولار، مؤكداً أن تكلفة تذاكر السفر السنوية بلغت ما يقارب المليار دولار، يدفعها بنك السودان سنوياً، وأضاف أنه مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان تراجع مستوى الالتزام لدى بنك السودان مما أجبر شركات عالمية عديدة للخروج من السوق السودانية واضطرت بقية الشركات للعمل وفق أسعار السوق الموازي في ظل موافقة بنك السودان غير المعلنة، وهو ما جعل الشركات الأجنبية والمحلية تضع أسعارها كيفما تشاء، بحكم عدم وجود مرجعية واضحة لسعر الدولار، مما أدى الى ارتفاع أسعار تذاكر الطيران بشكل متسارع لا يتسق حتى مع سعر الدولار في السوق الموازي، ساعد ذلك على ضعف المعروض من تذاكر السفر مقارنة بالطلب الكبير الذي يحركه ارتفاع عدد السودانيين بالخارج وارتفاع الاستيراد والسياحة العلاجية والدينية والترفيهية، جازماً بصعوبة التحكّم في أسعار التذاكر طالما ظل بنك السودان المركزي غير قادر على القيام بدوره كضامن للاستثمارات العالمية في حق التحويل للخارج بالعملات الأجنبية.