سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع ..
5 ابريل 2022م
خواطر اليوم الرابع
(1)
كنت أتابع مؤتمرات لجنة إزالة التمكين بشغف كبير ومتعة لا نهائية .. وتشوقني طريقة المحامي وجدي صالح في العرض والاستعراض .. وحالة الانبهار تلك أصبحت حالة مزاجية عامة .. ولعلي ذات مرة استحسنت من اللجنة حينما خرجت بمؤتمر صحفي خاص لمراجعة بعض القرارات الخاطئة التي أصدرتها .. مارست اللجنة وقتها قدراً عالياً من الشفافية والصدق مع النفس وجلد الذات .. ولعل الرجوع عن الخطأ والاعتراف به أولاً يعد فضيلة أخلاقية القيمة لا تتوفر عادة إلا في نفوس نقية وطاهرة ولا تعرف المكابرة والدفاع عن الخطأ .. ولعل الأحباب في قناة النيل الأزرق لهم اعتقاد جازم على ما يبدو بأنهم ملائكة لا يخطئون .. ولكن الحقيقة التي اجتمع عليها الجميع أن القناة أخطأت التقديرات ولم تكن موفقة في بث الحلقة الأولى من برنامج أغاني أغاني ولم توف السر قدور حقه ومستحقه وتعاملت مع الأمر بطريقة غاية السبهللية وغياب الاحترافية والذهنية الحاضرة .. والبيان الذي خرجت به لا يساوي ثمن الحبر الذي كُتب به .. وتصريح شقيقه الدكتور عمر قدور في البيان لا يمثل الشعب السوداني هو تصريح يخصه هو فقط .. فلا داعي للمكابرة ولغة الاستعلاء الجوفاء.
(2)
عملت كمنتجي برامجي في قناة الشروق الفضائية على أيام مجدها وشروقها الحقيقي مع سلة من المبدعين الخلاقين الذين كانوا بمثابة مفكرين .. أذكر منهم الحبيب ياسر عوض .. الراحل عمر حلاق .. رشا هاشم الأمين وأماني علي البشير .. تعلمنا منهم كثيرًا بقيادة الباشمهندس محمد خير فتح الرحمن المدير العام للقناة .. على المستوى الشخصي تدرجت في العمل التلفزيوني من مرحلة باحث برامجي .. وصولاً الى منتج .. ولكن التجربة التي أفادتني هي عملي الطويل (كباحث برامجي) .. استفدت منها لأنني كنت أتقصى عن المعلومات بدرجة خطأ أقرب للصفر .. لأنني أدرك جيداً خطورة المعلومة وضرورة تقديمها بعيداً عن الأهواء والأمزجة الشخصية .. كنت اجتهد في بحوثي جداً .. حتى إنني لاحقاً حينما راجعتها وجدت أنها ككتب تصلح كمراجع .. ومن المؤسف أن قنواتنا كلها بلا استثناء لا تهتم بالباحثين في برامجها .. لذلك معظم البرامج تعتمد على اللغة الإنشائية التي لا تفيد المشاهد في شيء .. أقول ذلك وفي ذهني الخطأ الذي وقع فيه الأستاذ مصعب الصاوي وهو يقدم أغنية (غني يا قمري) على أساس أنها من كلمات السر قدور .. وهذا خطأ لا يغتفر للقناة كلها وليس مصعب وحده والذي تركته القناة وحيداً دون أن تعينه بباحث برامجي يوفر له المعلومات الصحيحة والتي تدخل الى المكتبة كتوثيق للأجيال القادمة.
(3)
لديّ تجربة لا بأس بها في الإنتاج البرامجي .. ولعل عملي كصحفي سهل علي الكثير من مهامها ومطلوباتها .. وذلك – ربما – يرجح فرضية نجاح (الصحفي) في مجال الإنتاج البرامجي وذلك باعتبار خلفيته الثقافية والفكرية وذلك ليس تحيزاً مني ولكن النماذج كثيرة ومتعددة ومبذولة ومتاحة لمن أراد التعرف عليها .. وتلك التجربة في الإنتاج البرامجي أفادتني كثيراً ووسعت من زوايا الرؤية والاقتراب عن كثب والدخول في أضابير كنت أجهلها نسبياً.. ولكن من أخطر ما خرجت به .. وهو إجابة على سؤال ظلّ قائماً دون إجابة واضحة وحقيقية .. والسؤال هو (لماذا تستضيف القنوات الفضائية ضيوفاً من قارعة الطريق أو من هم بلا فائدة واضحة سواء كان ذلك للمشاهد أو المستمع) والإجابة على ذلك التساؤل المحوري تمشي في اتجاهين اثنين لا ثالث لهما .. حيث نجد بعض القنوات تبرر استضافة بعض الضيوف من أصحاب المحتوى الفارغ بسبب الشركات المعلنة وهي أصبحت تتحكم في كل شيء يخص الإنتاج البرامجي من الألف الى لحظة خروج البرنامج على الهواء .. ولكن بتقديري أن القنوات ذات نفسها هي السبب الرئيسي في الفقر البرامجي الذي تُعانيه وعدم جاذبية البرامج والضيوف مما يخلق الملل .. وذلك لأنّ هذه القنوات لا تريد ضيفاً يُطالب بمُستحقاته المالية نظير الاستضافة .. تريده مجاناً وبلا مقابل .. لذلك يتأبى ويستعصم أصحاب الفكر الحقيقي والإضافة الخلاقة للبرامج من حيث المُحتوى والطرح .. وأكاد أجزم أن معظم من نشاهدهم في القنوات الفضائية السودانية لا يتعاطون فلساً واحداً مقابل استضافتهم (ضيوف بالمجان) يتم اختيارهم من قائمة أرقام الهاتف