الأسرة والبيت هي كل شيء في حياتي الشاعرة ابتهال تريتر: في رمضان أصفد “شواطين” الشعر!!
ابتهال محمد مصطفى الشهيرة بابتهال تريتر .. واحدة من الأسماء المبدعة التي ظهرت في عالم الشعر السوداني .. حققّت حضوراً لافتا في الفترة الماضية من خلال مشاركاتها في الفعاليات الثقافية داخلياً وخارجياً .. يصفها البعض بأنها (خنساء الشعر في السودان) ونحن نقول بأنها خنساء وحسناء الشعر السوداني لما تمتلكه من موهبة عالية وضعتها في مكانة سامقة.. وابتهال تريتر بغير إبداعها هي أيضاً لها سهم كبير في إحياء النشاط الشعري من خلال بيت الشعر.. الحوش الوسيع استنطقتها حول العديد من الجوانب الخافية من حياتها وخرجت بهذا الحوار.
حوار: سراج الدين مصطفى. 4 أبريل 2023م
ماذا تبقى في الذاكرة من أيام الجامعة؟
جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا مختلفة تماماً وهي تشبهني في نظامها عملية وتربيك قاعاتها وبرمجتها على الإنجاز والمشاريع وتقلل وجودك المجتمعي وترسم ملامح حياتك دون أن تشعر، علاقتي بالدفعة شبه منعدمة إلا مع قليل منهم وربما أخذتني أجواء الإعلام والشعر لسنوات لكنهم أقمار مضيئة والصفاء الروحي الذي تجده هناك ولحظات التكوين المعرفي والبدايات والمبادئ والتشكيل والعجينة التي تتخيرها والأحلام العراض، كلها مرتبطة بأيام الجامعة ومهما بعدت هذه النقطة الأكثر ضياءً في حياتي.
إذا نظرنا للموضوع من زوايا فلسفية ونظرية، هل يمكن أن نقول بأنّ الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وإيقاع موزون ومنتظم؟
الشاعر بحساسيته يولد وأعينه مفتوحة على اللون والصوت وجلده يتفرس جيداً درجات الحرارة من حوله، فالمناخات والطقوس والتفاصيل لا تمر عليه كبقية البشر واحذر أن يكون في بيتك طفل شاعر، فهذا يحتاج أن تُخاطبه بلغة مغايرة وأسلوب يراعي حساسيته ومزاجيته وجنونه وتمرده.. صرخة ميلاد الشاعر لها صيحة وإيقاع وغصون تتدلى على الروح فتزهر أو تموت.
بيئة البيت والمكان، كيف كان تأثيرها في تكوينك الإبداعي.. وهذه سانحة للتعرف عليك من خلال ملامح وتفاصيل مُجتمع مدينتكم؟
الأسرة والبيت هي كل شيء وتحضر في شهقتك الإبداعية الأولى بشكلٍ كثيفٍ، أنا تعددت بيئاتي وأمكنتي من الميلاد حتى الآن الجزيرة المناقل، المملكة العربية السعودية، العباسية تقلي والخرطوم لم أكمل ٥ أعوام في منطقة واحدة في كل طفولتي، وبعد عودتنا من الاغتراب تنقلنا في قرى الجزيرة المختلفة عبود، الدشينات، العمارة عبد الباري والمناقل تفاصيل قرى الجزيرة عامرة بالكثير وأعشقها جداً، كنا أولاد المدير والمديرة، لكن ذهبت للحواشات وزرعت ولقّطت القطن وركبت الكارو وفزعت وحرقت الفول وأكلت العنكوليب ودرست في مدرسة الكريمت المدرسة الجامعة التي أهّلتني مهندسة وإعلامية وشاعرة وجئت لتلفزيون السودان ممتلكة أدواتي من أسرتي ومنها فهي حقاً مدرسة جامعة وتحية خاصة للأستاذ عبد الله تاريخ وكل عقد أساتذتي الفريد بها.
في السعي لخلق بصمة خاصة لا بد من المرور بالعديد من المدارس الشعرية والتأثر بها، بمن تأثّرت ومن هم الذين شكّلوا وجدانك الشعري؟
القرآن أول مدرسة لغوية وإبداعية، ففي صوره وسوره الكثير من التراكيب والقصص والإبداع اللغوي، فهو مورد عذب استقي منه دائماً وأول قصيدة لأول ديوان لي كتبتها عنه، والشعر العربي القديم طبعاً، لكنني مُدينة لمصطفى سند والفيتوري ومحمد عبد الحي وصلاح أحمد إبراهيم كثيراً فهؤلاء من وقفت كثيراً عند بابهم وحين انتقلت للشعراء الكبار في الوطن العربي لأقرأ لهم، عرفت أن هؤلاء من ثبتوا أقدامي الشعرية وجعلوني أقف على أرضية ثابتة، وهذه مناسبة طيبة أقول فيها للمركز القومي للمناهج وجود الشعر السوداني في المقررات الدراسية مُخجلٌ، فجل هؤلاء لا تعرفهم الأجيال، أفردوا مساحة مقدرة تُليق بعظمة الشعر السوداني في المناهج.
هل اختارك الشعر أم اخترته، وهل يحق للإنسان أن يختار الشعر كصفة مُميّزة لشخصيته؟
كلانا اختار بعضه، كلانا عشق الآخر وأقام سوراً حوله، فهو بيت تمردي وضجيجي وأسراري وحماقاتي وهو عصاي التي توكّأت عليها زمناً ليس باليسير صديقي وحبيبي، لكن لن أسمح له بعد الآن بسرقتي أكثر وسأدخل قريباً في مواجهة معه.
ما أسهل أن يصبح الإنسان شاعراً في هذا الزمن.. هل تتفقين مع هذا القول؟
استسهال الشعر وتعجُّل الظهور وغابة الأسماء التي تُحاول أن تكون هذه كلها تجعلني اسأل سؤالاً واحداً.. هل الشعر مهيبٌ لهذا الحد والله لو علمتم وجعه الحقيقي لخلعتم جلدكم عنه،
الشعر يمتص الدم ويهرس القلب، ويجعلك في حالة صعبة، وكل الأوزان الشعرية الثقيلة لو خيّروها لأنزلت هذا العبء، لكن لا ينبغي لها، إذا لم تكن/ تكوني قدر هذا الجبل فلا داعي للتسلق.
ولكن مع هذا كله أنا في بيت الشعر وفخورة جداً بالشباب وعندي إنتاج متفرد ومشاريع تكبر أمامي يوماً بعد يوم، مثل هؤلاء ادعمهم وأقف بجانبهم كما وقف لأجلي الكبار، وخيل الشعر الأصيلة تبين في المضمار وتصمد والذين يتساقطون كُثرٌ والأسباب مُختلفة، حزينة على تجارب حقيقية غادرت المشهد، ولكن غربال الشعر واسعٌ فكن/ كوني حبة عصية على السقوط.
كيف تستقبلين شهر رمضان؟
رمضان شهر كريم وفضاء خاص للعبادة وهو نزهة روحية ابتعد قليلاً فيها عن الشعر وتصفد “شواطيني” ويندر أن أكتب فيه وذات مرة مازحني الأحباب في رمضان مضى، فقلت
قالوا هجرت الشعر قلت مصفدة
شعري دمي وله العروق معبدة
إلى آخر النص
إذن ماذا يمثل لكم شهر رمضان؟
رمضان بطقوسه العجيبة يجعلني مع عائلتي وأعيش تفاصيله كما هي وأسعد، لكن ليس كثيراً بدخولي المطبخ.
عادات رمضانية تلتزمين بها؟
قراءة القرآن الكريم، بعض البرامج التلفزيونية، جرد الحساب، ترتيب المكتبة وقليل من الزيارات والإفطارات الجماعية.
كم تأخذ شاشة التلفزيون من وقتك في رمضان؟
لا أشاهد التلفاز كثيراً في رمضان ولا أتابع إلا بعض الحوارات المهمة ويمكنك اعتماد ٢٠ بالمائة فقط.
موقف محزن حدث معك في الشهر الكريم؟
كنا برفقة البروفيسورسعاد الفاتح البدوي في رمضان من أعظم الرمضانات في حياتي، كنا نذهب لضواحي الخرطوم البعيدة جداً بسيارتها لإحياء الإفطارات مع الأسر المتعففة، كانت تصنع بيديها معهم الطعام والختمة وبعض برنامج ترفيهي، وهي في سن كبيرة كنا نتعب نحن لكنها لا تتعب.. أحزن جداً لبيوت الفقراء من أهلنا والنازحين في رمضان.. أحزن جداً للموائد الفارهة التي يقيمها رجال الأعمال والشركات، اذهبوا بها للأطراف ممهورة بالبرامج، فهنالك رمضان الحقيقي، وشكراً ماما سعاد اسأل الله لكِ الصحة والعافية.
رسالة رمضانية.. ماذا تقولين فيها؟
رسالة رمضانية لكل الساسة في بلادي يميناً ويساراً وصدراً.. أوقعتم البلاد في بئرٍ عميقةٍ، فقط ابتعدوا عل رجلاً قوياً رشيداً يستطيع انتشالها، اجعلوا من رمضان فترة تعقل ووعي وارتفاع وسمو، واجعلوا الوطن أعلى، فكفانا دماءً وتدهوراً وهواناً على أنفسنا قبل المجتمع الدولي