محمد طلب يكتب : أزمة الكوجان
2 ابريل 2022م
دعني أكتب لك يا صديقي ولا تحسبني أسخر… لا… بل… اني أخسر… أخصك دون غيرك بالكوجان أو الكوجين لأنك من جيلي وتدري عنه ما لا يعرفه جيل اليوم ولهم ما لا نعرفه نحن…
ظلت أمي وقبلها جدتي ومن جايلهما بسنين عمري يجمعن بقايا الرغيف الجاف والكسرة الناشفة بطريقة مُعيّنة لا تفسدهما ويطبقن ما درسناه في المدرسة الابتدائية من طرق حفظ الطعام ومنها التجفيف… يعلمن ويعملن ما ندرسه ولم يدخلن مدارس وهدفهن من هذه العملية (الكوجين) أو إن شئت (الكوجان)… وحتى (أمتِّع نفسي بالدَّهشة) لن أفصح عن معنى (الكوجان) والشباب يقرأ ما أكتبه لك وهم لا يعلمون (الكوجان) فيصبهم (البوجان) وامتع نفسي معك بذات الدهشة وربما (الشفقة) على هذا الجيل الذي يشفق علينا في ذات الوقت… وانت تعلم جيداً الفرق الكبير بين الشفقة والشفقة بقافها سوداني اللسان.. وشتان ما بين القاف والقاف… سوف تطلع حسان هذا الزمان على سرد بلا بيان وشتان ما بين حسان وحسان… حسان يزداد حسنهن بعواسة تليها (عروكة عجين) بعد حفظ (الخمارة) وأخريات لا يدركن مكونات الكسرة ناهيك عن عواستها وتجفيف ما تبقى منها (عشان يكوجنن)….
اهٍـ اهـ وهل في هذه الأيام العجاف يتبقى شئ للطير ناهيك عن الكوجان… وهل تبقى من الحسن شيئاً للتأمُّل وقول المتنبي ماثل أمامي عن حسن الحضارة المجلوب بالتطرية والميك أب والمصنوع والموضوع للمخدوع في مواضع الجمال.
رحم الله جدتي (أمي الحاجة) تعد العدة للكوجان بعد عيد رمضان بأيام لتقابل به رمضان القادم…. أهلنا كانوا يحبون الحياة ويستعدون للموت ولا يستعدونه وحبهم لرمضان جعل الطير يستمتع بحياة رفاهية معهم وبهم في رحلاتهم الحياتية واستعدادهم للموت… كل الطقوس حاضرة لا تغب أبداً… كما يعدون (الحنوط) و(الكفن) و(البرش) و(العنقريب)… تجدهم على قدم وساق مع (الربيت) و(الشربوت) و(الودك) و(الكوجان) و(الحق) بضم الحاء مع القاف السودانية… و(الخرزة) و(الحريرة) و(الضريرة) يستعدون للعرس والولادة والسماية والموت والنهاية جنبا إلى جنب… كان فهمهم أعمق وكانت الحياة رغدة… أما بيوتنا اليوم فقد أضحت خالية من الكسرة الناشفة والرغيف الجاف فلا يحلق فوق رؤوسنا الطير ولا تستمتع بحياتنا كائنات أخرى تشاركنا ذات الطقوس وذات الفرح وتبكي معنا.. فأصبحنا لا نستمتع بحياتنا نفسها كما كنا… لم يعد هناك (در) لأنه لا يوجد عجين ولا نمل سكر لأن الأخير لا يكفينا ومع اختفاء (القطيع) وسيطرة السيراميك اختفى (الجقر) وحتى الفئران الصغيرة… الآن أتذكّر قصة تلك المرأة التي أتت أمير المؤمنين وجعلها الحياء تشكو له قلة الفئران في بيتها ليفهم طلبها…
لا شك أنك تذكر تلك القصة فقد اختفت مثل هذه القصص وتآكلت المناهج بموت (الفأر الأكول) وانطفأت بسمة (هاشم في العيد) ولا مجال لـ(سعد في الحقل) ليقطف ما يشاء ويزرع ما يريد فهو في مليونية الستين أو واحد وعشرين أما (زيدان الكسلان) فقد وجد ضالته في القصر الجمهوري… ولم يعد (الأسد فوق الجبل) بعد ظهور (هاشم الشرير) ولن أحدثك عن (حسن والصفارة) فقد أسموه (حسن طرحة).
ااااهـ دعني من كل هذا (الكوجان والبوجان) وما يحدث في السودان يا صديقي وقل لي لماذا اختفت الكسرة الناشفة والخبز الجاف؟؟؟؟
وما هو الحل ورمضان قادم وجدتي زارتني أمس في المنام وهي غاضبة وقالت (النسوان المطرطشات ديل ما سون الزريعة لا يومن دا!!؟)
وأردفت بسؤال الحاصل شنو ما صائمين السنة دي؟؟؟؟
احتاج للإجابة يا صديقي هل سنصوم ونفطر هذا العام مثلما كانت تفعل (أمي الحاجة) أم أننا سنظل على صيامنا اليومي المُعتاد مع هذه المليونيات ومضاداتها؟؟؟
رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير