الخرطوم: جمعة عبد الله 3 ابريل 2022م
أرغمت الأوضاع الاقتصادية الضاغطة والغلاء المتزايد بالأسواق، كثيرا من المواطنين على الاكتفاء بسلع مُعيّنة من الضروريات لشهر رمضان الكريم، وكما كل عام، يُشكِّل توفير سلع ومستلزمات شهر رمضان الكريم، هاجساً للمواطنين خاصة محدودي الدخل والبسطاء، ورغم تفاوت حجم المعاناة بين موظفي القطاعين العام والخاص من جهة، ومَن يَعملون في القطاع غير المُنظّم من جهةٍ أخرى، إلا أنّ الهاجس بينهم مُشترك، حيث غلاء الأسعار وتعدُّد المطلوبات مع قُصُور الإمكانات، وزادت الظروف السِّياسيَّة من حجم الضائقة الاقتصادية على الجميع، ولكن الجميع مُوقنٌ بأنّ “رمضان شهر الخير”.
ظروفٌ قاسيةٌ
واستقبل المواطنون شهر رمضان المعظم هذا العام، وسط ظروف اقتصادية قاسية على قطاعات واسعة من المُجتمع، في وقت تشهد فيه الأسواق ارتفاع أسعار غير مسبوق “ليست في متناول يد الغالبية العظمى”، من المواطنين، وعانت الأسواق من الركود وضعف القُوة الشرائية بسبب غياب النقد (الكاش) وارتفاع الأسعار مع تعدُّد المُتطلبات المُتعلِّقة بشهر الصيام.
ومع دخول شهر رمضان الفضيل، يهتم المُواطنون بشراء العديد من المُستلزمات والمُعينات من السلع الضرورية والأواني المنزلية أو كما يعتادون على شرائه استعداداً لهذا الشهر المبارك.
ونظراً لطبيعة الحال، فإن قفزة الأسعار تعتبر أحد التحديات التي عجزت الحكومة عن السيطرة عليها، ولطالما غَابَ دورها في التدخُّل لضبط ورقابة الأسواق، الأمر الذي زاد من وتيرة انفلات الأسعار التي أصبحت شاغلة لأذهان المُستهلكين والمُواطنين.
تكاليف مُتزايدة
وكشف أحد التجار، ـ فضّل حجب اسمه ـ أسباب زيادة الأسعار لتزايد تكاليف نقل وترحيل البضائع بين المخازن والمتاجر، مُشيراً إلى أنّ أزمة الوقود لها دورٌ في زيادة تكاليف النقل الداخلي كما تزيد من تكاليف الترحيل من مواقع الإنتاج حتى الأسواق، لافتاً إلى أنّه من الطبيعي أن يقبل المُواطنون على شراء مُستلزمات رمضان، وتابع قائلاً: السُّوق بدأ يزدهر هذه الأيام، وتوقّع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من النشاط في الأسواق، بيد أنه قال ما يقلق التجار أكثر ليس ارتفاع الأسعار فقط، بل تدني القوة الشرائية، وما يتبعه من تدني حجم تصريف البضائع والسلع.
وسطاءٌ وسماسرةٌ
وقلّل صاحب محل إجمالي بالكلاكلة، الطيب عمر من قُدرة الحكومة على توفير كافة مُستلزمات المُواطنين، لكن بمقدورها ضبط الأسواق عبر إحكام الرقابة، وقبل ذلك تشجيع الإنتاج المحلي، نافياً تلاعب التجار في أسعار السلع، وقال إنّ بعض السلع تأتي للتجار من جهات مُحدّدة تمثل شبكة التجار وهي مَن تُحدِّد السعر، ويرى ذات التاجر أنّ مشكلة ارتفاع التسعيرة ترجع لتدوير السلعة بين عددٍ من الوسطاء وكل منهم يضع هامشاً ربحياً وحينما تصل للمواطن تزيد قيمتها، مُضيفاً لا مخرج من الأزمات القائمة إلا بمُراجعة سياسة التحرير الاقتصادي التي أدخلت السودان في أزمة حقيقية ولم يبقَ للمواطن سوى القيام بثورة الجياع، التي لن تتوقّف إلى أن تتحقّق المطالب المقدور عليها ولكن الحكومة تتهاون في تحقيقها.
صُعُوبات معيشية
بشكلٍ عامٍ، يبلغ متوسط الصرف على الغذاء ما بين “30 – 40%” من دخل الفرد، لكن في السودان تتجاوز النسبة 90% أو أكثر لتبلغ 100% ممّا أدى لترك الكثيرين لبعض الأساسيات وإضافتها للكماليات نسبة للانشغال بأولويات لا يُمكن الاستغناء عنها.
الثابت أنّ الوضع المعيشي بالسودان لا يسر حتى الحكومة ومُتّخذي سياساتها، وأدّت قرارات حكومية متضاربة خلال السنوات الماضية لتأزيم الوضع وتعقيده بالنسبة للمواطن.
“أحمد” الموظف بإحدى مؤسسات القطاع الخاص، بات بالنسبة له توفير كافة متطلبات أسرته الصغيرة ضرباً من المحال، ويقول أحمد لـ”الصيحة”، إنّ موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق منذ مطلع العام الماضي، فاقت قُدرتهم المادية، خاصّةً مع تواضع الأجور، وعدم كفايتها لتلبية المتطلبات المعيشية، والارتفاع المُضطرد لتكلفة المعيشة وزيادة أسعار السلع، ومع ارتباط كثير من السِّلع بالاستيراد، بَاتَ الوضع أكثر تعقيداً، حيث تراجعت قيمة العُملة المحلية.
يمكن تعميم هذه الحالة التي يمر بها هذا الموظف، على قطاع واسع من المواطنين بالسودان، فبات توفير لوازم المعيشة مُعاناة يُكابدها المُوظفون، أمّا الشرائح الأشد فقراً ومُمتهنو المهن غير المُستمرة، يبدو حالهم أكثر سوءاً من ذلك، فكيف يتمكّن المُواطنون من تدبير احتياجاتهم المعيشية وسط هذه الظروف.؟
انتعاشٌ نسبيٌّ
وقال عبد الباقي الشيخ، وهو تاجر سلع بالخرطوم، إنّ هناك انتعاشاً نسبياً بالأسواق، موضحاً لـ”الصيحة” أن الطلب على السلع لا يزال ضعيفاً، بالرغم من دخول شهر رمضان، وقال إنّ التوقُّعات تشير لتنامي القوة الشرائية خلال الأسبوع السابق لرمضان، وزيادة حركة السوق، موضحاً أن بعض المواطنين وخاصّةً من ذوي الدخل المحدود لا يمكنهم توفير متطلبات الشهر دفعة واحدة، وبالتالي يقومون بشراء السلع على فترات متقطعة كل أسبوعين أو عشرة أيام.
يشير عبد الباقي، لعدم إمكانية تصريف البضائع بأقل من سعر الشراء، مُوضِّحاً أنّ البضائع الموجودة عند التجار بالأسواق لا مجال لبيعها دون استرداد قيمتها، بالإضافة إلى ذلك، يشير تاجر آخر إلى أن تسعيرة المصانع ومراكز التوزيع والوكلاء لم تشهد انخفاضًا، وقال إنّهم يحصلون على بضائعهم من هذه الجهات، وقطع بأنّ انخفاض الأسعار من عدمه تتحكّم فيه جهات لا دخل لهم بها كتجار، وزاد: من الأفضل للتجار والموزعين انخفاض السعر حتى يتم تصريف أكبر كمية مُمكنة من البضائع، لافتاً أن ارتفاع الأسعار، لم يكن في صالحهم، مُشيراً للكساد الذي ضرب التجارة، وأصبحت كمية البضائع المُباعة أقل بكثير مما كانت قبل ارتفاع سعرها.
فوضى الأسواق
وتصف الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم، ما يعانيه المواطن من ضائقة معيشية وغلاء أسعار السلع بالأسواق بـ”الفوضى”، وأرجعت الأمر لتقاعس الجهات المُختصة عن القيام بدورها، خاصّةً وزارة التجارة في مراقبة الأسواق، وقالت إنّها غائبة تماماً عن لعب هذا الدور المُفترض، ودعت السُّلطات والقائمين على الأمر بالولايات والمحليات بإعداد خُطط تمكن من إيصال السلع الاستهلاكية للمُواطنين بأسعار مُناسبة وأن تحد من الفوضى والتضارب في تسعيرة السلعة بين محل وآخر، وقطعت بأن السياسات الاقتصادية التي تمّ تطبيقها في السنوات الأخيرة تسبّبت في خلل كبير يعاني منه المُواطن حالياً، وقالت إنّ هذه الجزئية يجب أن تتصدّر اهتمامات الحكومة المُقبلة وأن تضع حلولاً مُناسبة لمُعالجة الوضع المعيشي المُتَرَدِي.