نَعُود للكتابة بعد ظروفٍ طارئةٍ تتجدّد في المُستوى الخَاص، وإن ظَلّ المَشهد والشّأن العَام هو ذاته عالقاً في نُقطتي التّقدُّم والتّراجُع بين المجلس العسكري الانتقالي وشركائه في قوى إعلان الحرية والتغيير، وإن كان بالمُقابل مُلاحظتي أنّ الشارع قد تنفّس قليلاً، وفيما يبدو أنّه تجاوز حالة الانتظار لبحث تَرتيب شَواغله في العيش والحياة، إذ من الواضح أنّ الأزمة السياسية المُمتدة وتحديداً في الجانب المُتعلِّق بالقُوى السِّياسيَّة يُعاني من عجزٍ في افتراع الحُلُول والتّسويات المَطلوبة بتقديم تنازُلاتٍ معقولةٍ، فصار من نصبح فيه نمسي في أسوأ منه!
قُوى الحُرية والتّغيير لا تزال تُمارس دور المُحبط للناس، وصحيحٌ إنّها لا تمثلني شخصياً ولي مُلاحظات موضوعية سواء على نهجها في شيطنة خُصُومها بمن فيهم المجلس العسكري، مُروراً بخطها الإقصائي الذي لن يسلم البلاد إلا لديكتاتورية بقناع مدني، وليس نهايةً بتورُّطها في تَدويل الأزمة السُّودانية قبل سُقُوط النّظام بالتّحريض وبعده بالاستدعاء واستجلاب دعم الغرباء وهراواتهم ولا يُوجد سوداني مهما بَلَغَ به الظُلم والغُبن يُمكن أن يسمح بفتح البلاد للجان التحقيق الدولية هذا لم يحدث لا في تجربة الثورة بمصر، ولا مثال التغيير الذي جَرَى في إثيوبيا وضحايا البلدين في حراكهما السياسي والثوري سقط فيه عشرة أضعاف من قَضوا في الحالة السودانية رحمة الله عليهم.
المجلس العسكري الانتقالي كذلك يُعاني من إشكالية قد لا تحفز الناس على المُضي في مُساندته؛ إذ يُناقض نفسه في كل قَولٍ ويتراجع؛ ويتقدّم خطوات ثُمّ يرتد ليعود مَـــرّةً ثانيةً لما يُمكن وصفه بالانصياع لابتزاز سياسي تُمارسه قُوى التّغيير بشكلٍ فظٍ وغير مَنطقي؛ أو ربما مُراعاة لجُهُود الوسطاء؛ وهذا ما ظهر ويُمكن تسميته بتكرار إعلان مواقف ببيانات وتصريحات آخرها بيان الرئيس (البرهان) حول وقف التّفاوُض وإلغاء الاتفاق السابق مع (قحت)، والذي قال الوسيط الإثيوبي بغيرهِ، فيما لم يتطرّق لها المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الذي تَحَدّث كثيراً ولم يقل شيئاً !
واحدة من أهم مُرتكزات اتّضاح الرؤي في الوقت الراهن الوضوح الكامل البعيد عن التكتيكات؛ فإما تفاوض حاسم ومُحَدّد الاتجاهات مع قُوى الحُرية أو تحديد منصة تسع الجميع من أقصى اليمين لآخر اليسار؛ بما في ذلك الكيانات الأهلية والشعبية للخروج من حالة الوضع العالق هذه إلى فضاء الانتقال بالبلاد إلى مرحلة مستقرة تُدار فيها الأمور عبر حكومة وحياة سياسية، يعرف فيها الجميع حُقُوقهم وواجباتهم، فهذا أفضل من مُباراة التنس التي مَلّ فيها السودانيون سماع سُقوط الكرة بين الضاربين دُون نهايةٍ معلومةٍ؛ وإن كان للمجلس العسكري قرارٌ واضحٌ فليدفع به، اما تقاسم وشراكة أو أيِّ طريق ثالث فكل ساعة تمر تُفاقُم الوضع وتخلط الفُرص.