متاريس سياسية !!
*هل يا ترى انتقل القوم، قوم قوى الحربة والتغيير، من مرحلة عرقلة حركة المرور والمواطنين عبر تصعيد وضع المتاريس الاسمنتية في الأحياء والطرق العامة، إلى النضال عبر المتاريس السياسية، بوضع تلك الاشتراطات الباهظة والمستحيلة على طريق الحوار، ومن ثم تعطيل الحركة السياسية وانسداد الأفق !!
* على أن أسوأ تلك المتاريس الاشتراطية يتمثل في محاولة (تدويل القضية الوطنية السودانية)، مرة عبر المناداة بتشكيل لجنة تحقيق دولية، ومرة بالدعوة إلى نقل طاولة الحوار التفاوضية إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وهم يومئذٍ يعلمون عام اليقين بأن المجلس العسكري الانتقالي لا ولن يقبل بهذا التدويل الذي ينادون به… والذي أقل ما يترتب عليه هو الإيحاء بأن الدولة السودانية غير عاجزة وغير قادرة على فعل شيء، سيما عمليات الطعن في مؤسساتها العدلية وذمتها الأخلاقية.
*على أن ما يسمونهم بالعسكر هم دائماً أحرص الناس على حياة الوطن وحفز روح الوطنية وإشعال مواقد القومية، من (المدنيين) الذين لا يستنكفون في كل دورة تاريخية في أن يحلوا ضيوفاً ثقالاً على فنادق الدول الأجنبية لمعالجة قضية وطنية بامتياز، وذلك على طرقة غلام بسطام …
* والشيء بالشيء يذكر، قيل إن غلامًا خرج من مدينة بسطام على عهد العالم الإسلامي البسطامي الشهير طلباً للعلم في أمصار أخرى، فعندما طرق ذلك الغلام أبواب مدينة بعيدة سأله خازنها، من أين أنت قادم يا غلام، قال من بسطام طلباً للعلم، قيل له، إن الذي خرجت لأجله قد تركته وراءك بسطام، على أن الخرطوم ظلت دائماً بيت الحكمة العربية والأفريقية، فكم من القضايا الإقليمية المعقدة التي حلت على حين جلسة على مقربة من ضفاف النيل …
* على أن ثمة رسالة سالبة قد خلفتها عملية مطالبة قوى الحرية والتغيير، الحزب الحاكم المفترض، عبر عملية المناداة بتدويل القضايا السودانية، فالذي يضيع وطنية وهوية قضيته الشخصية، فهو بطبيعة الحال لما سواها من قضايا أضيع، فكيف يا ترى سنطمئن على كل ملفات البلاد الساخنة التي سيسلمها الفريق ياسر العطا ورفاقه، إلى هولاء المدنيىن على حين جلسة تفاوض في غرفة باردة، على أن أسرار كل البلاد الأمنية والاقتصادية ستكون عما قريب في يد هذه القوى التي تطالب بتدويل الملفات السودانية، ذلك إذا ما سارت الأمور على نحو انحسار دور القوى الأخرى، وانحصار أمر تقرير موضوع مستقل البلاد بين المجلس العسكري وقوى التغيير ….
* على أن المواطن الذي أصبح مثقلاً بالهواجس الأمنية والخوف على مستقبل بلاده، أضحى يُحمّل قوى الحرية والتغيير عملية استنزاف الوقت وتبديد الفرص بوضع المتاريس الاشتراطية أمام قاطرة التفاوض التي أصبحت تراوح مكانها، سيما بعد أن اعترفت التغيير نفسها بأنها نالت أكثر من تسعين بالمئة من المكاسب، فلو أن الوطن هدفها لما تمسكت بالسيطرة على كل مؤسسات الحكم الانتقالية بنسبة مائة بالمائة.
* يقرأ مع ذلك، أن التماطل والتسويف الذي ظلت تمارسه قوى الحرية والتغيير، أصبح خصماً على القضايا الأساسية التي نهضت من أجلها الثورة، بحيث تلاشت أمام البحث عن المكاسب السياسية، عمليات المحاسبة والإصلاح الاقتصادي وقضايا معاش الناس، الذي أصبح في ظل الثورة أسوأ من الحالة التي كان عليها في العهد السابق، بحيث تضاعفت الأسعار واحتدمت الأسواق تحت جنح غياب الحكومة، ولو أن الأمور استمرت على هذا النحو أتصور بأن مفارقة ستحدث لا محالة بين الجماهير والنخب السياسية، التي انكفأت على البحث عن مصالحها الشخصية والحزبية …
* على أن الوقت بطبيعة الحال لن يكون في صالح مستقبل قوى الحرية والتغيير، ففي كل يوم أصبحت تتشكل كتلة سياسية وطنية جديدة، بالتزامن مع اتساع رقعة قناعة المواطنين، بأن النخبة السياسية قد حادت عن طريق البحث عن تحقيق مطالب الثورة، لصالح التكسب السياسي والتبضع الحزبي، ذلك مما يعجل بخروج الكتلة الجماهيرية الضخمة الصامتة، لصالح استقامة الثورة واجراء تسوية قد تتجاوز الحرية نفسها…
وليس هذا كل ما هناك …..