خالد عباس شقوري.. واحد من الأسماء المبدعة في سماء الشعر السوداني .. له وضعية خاصة ومكانة رفيعة تصنفه كواحد من أبرع شعراء الجيل الحالي من شعراء السوداني .. له تجارب غنائية بأصوات العديد من مطربي الطنبور .. يتميز كشاعر بمفردة مجنحة وخيال بالغ السعة .. كل كتاباته تحكي عن شاعر سوداني بمواصفات خاصة جداً .. وفي هذا الشهر الكريم جلست (بعض الرحيق) مع الشاعر خالد شقوري واستنطقنا بعض الجوانب الخافية في حياته.
حوار: سراج الدين مصطفى 2 ابريل 2022م
إذا نظرنا للموضوع من زوايا فلسفية ونظرية، هل يمكن أن نقول بأن الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وإيقاع موزون ومنتظم؟
بالتأكيد.. وهنا تكمن الموهبة .. وهي ما وهبه الله للإنسان دون أي مجهود منه .. وتأتي بعد ذلك مراحل تنمية الموهبة والتي يتدخّل فيها توجيه من حوله والمدرسة والعلم والجهد الشخصي للموهوب.
*بيئة البيت والمكان، كيف كان تأثيرها في تكوينك الإبداعي؟
بيتنا في كسلا كان محطة لأهلنا القادمين من الشمال يحملون التمر والثقافة وحكايات البلد وعطرها .. ومن سمرهم استقيت أولى جرعات الفن.
*أخيراً قررت الاستقرار بمسقط رأسك .. لماذا هذا القرار؟
هو حلمٌ قديمٌ سعيت في تنفيذه منذ صباي الباكر ولم يتحقق لضيق المساحات الزراعية وبعد إنشاء امتداد مشروع القرير، وجدت ضالتي وأنا المحب للأرض والزراعة منذ أن كنت منضماً لجمعية التربية الريفية بالمدرسة الابتدائية .. ولو تحقّق هذا الحلم باكراً ولتغيّرت مسيرة حياتي ولكنت آخر غير الذي تعرفونه ولكنها تصاريف القدر والحمد لله.
*هل ساهم هذا القرار في هدوئك النفسي ودعم تجربتك الكتابية؟
نعم .. وقد اتاح لي ايضا مساحة التأمل في واقع البلد ومحاولة إيجاد الحلول الثقافية لما نحن عليه .. وأسهم الآن بقدر كبير في الحراك الثقافي من منصة التربال.
*في السعي لخلق بصمة خاصّة لا بد من المرور بالعديد من المدارس الشعرية والتأثر بها، بمن تأثّرت ومَن هم الذين شكّلوا وجدانك الشعري؟
أقول بكل صدق إن أغنية (عيني عليك باردة) للراحل ابراهيم موسى ابا هي اول من لفت قلمي الى عشق اغنيات الريف .. ثم تأتي اسماء فطاحلة الشعر من اسماعيل حسن، مروراً بمزامير القرير الدابي وحمد السعيد والسر، ثم حمّيد وبادي وحكاوي كدكي وأصوات الغناء السوداني الصداحة .. كلها ساهمت في تشكيل وجداني.
هل اختارك الشعر أم اخترته، وهل يحق للإنسان أن يختار الشعر كصفة مميزة لشخصيته؟
أصدقك القول .. أنا لم اختر مسار في حياتي وكل ما تحقق لي هي من تصاريف القدر .. ومعلومة يمكن أن تفيد في السياق هي انني قد بدأت حياتي الفنية رساماً وحتى الآن لا أعلم لماذا تركت الرسم واتّجهت للشعر.
ماذا يمثل لك الفنان محمد النصري؟
محطة كبيرة انخت فيها راحلتي وانزلت بها رواحلي وبدأت شروقا جديدا .. فهو فنان متطور ومتجدد يجبرك على تطوير أدواتك الكتابية من حيث الأفكار والطرح.. لذلك محمد النصري يجد عندي مساحة ومحبة خاصة جداً.
* الشعر الغنائي في السودان، يصفه البعض بأنه أصبح بلا قيمة حقيقية وأقرب للابتذال ولم يعد كما كان في السابق؟
الآن لا يوجد شعرٌ غنائيٌّ فيما نسمع ونشاهد .. هي محض بذاءات مركّبة.. والشعر الحقيقي لا يجد فرصته من التغني وأصبح البعض يلجأ للشعر العادي والمستهلك من حيث الأفكار والخيال والمفردات فأصبح الغناء في الوقت الراهن بلا طعم حقيقي.
* التمرد على الغناء والشعر الكلاسيكي من حيث المبنى والمعنى كيف يكون؟
في مُحاولة التمرد تتدخّل الصِّنعة وتفسد الصَّنعة .. الغناء فعل لطيف والتحولات التي تحدث ما بين جيل يجب أن ندعها تتحرك في مسارها العفوي كخطرات النسيم .. دون تكلف أو تمرد.. والتجديد يأتي هكذا منساباً.
*الأغنية السودانية فقدت هويتها الشعرية وفيها الكثير من الابتذال ولم تعد كالسابق، كيف تنظر لهذا الاتهام الذي يخص جيلكم؟
أوافقك الرأي .. ولكن لك أن تعلم أن الشعراء بريئون من هذا وتشهد على ذلك الدفاتر المكدسة بالشعر الرصين الذي لم يجد حظه.. والغريب أن معظم الذين يكتبون الأغنيات ليسوا بشعراء .. (الاغنية بقت ملطم خرسانة وأسمنت).
*برأيك لماذا ظلت حتى الآن مدرسة الحقيبة الكتابية تلقي بظلالها على الراهن الشعري الغنائي؟
لأنها أغنيات حقيقية وصادقة ومحكمة.. وسودانية خالصة تحمل كافة الملامح التي تخصنا وهي تعبير حقيقي عن موروثنا الغنائي الذي ظل صامداً لسنين طويلة وأظنه سيظل كذلك لأنه يحمل كافة عناصر البقاء والخلود.
*كيف تستقبل شهر رمضان؟
بالحب والدعاء وشجن الذكريات .. على الصعيد الروحي وسوى ذلك لا أفعل شيئاً.
*ماذا يمثل لكم شهر رمضان؟
استراحة مذنب وأوبة إلى الله ومراجعة للنفس وهو بالنسبة لي فرصة سانحة لمراجعات كافة تفاصيل الحياة، لأنه يمنح الهدوء اللازم للوقوف والتمعُّن والتدبُّر في كافة تفاصيل الحياة.
أول سنة بدأت فيها الصيام.. متى كانت؟
سقطت في المسجد من الجوع وأنا يافع.. ولم أكمل اليوم ولكنها كانت تجربة مفيدة بالنسبة لي.. لأن الصيام كما هو عبادة فهو أيضاً تربية منذ الصغر حتى يتعوّد الإنسان على الصيام ومشقته.. لذلك أنا أقول ان جزءا كبيرا من معاني الصيام محض تربية.
* عادات رمضانيه تلتزم بها؟
التأمُّل والتواصل.. لأن الوضع يختلف بالنسبة لي كشاعر.. أنظر للأشياء بزوايا مختلفة عن الإنسان العادي.. لذلك رمضان هو بمثابة حالة من التأمُّل الطويل مع النفس ومع الآخر ومع الحياة كلها.
*هل تصوم عن الشعر في رمضان؟
الشعر أنا لا اختار وقت كتابته ولا مواضيعه وكتبت في رمضان أزهى القصائد لأن الوضعية النفسية تكون مختلفة وفي حالة صفاء روحي.
* هل تساهم في المائدة الرمضانية؟
بالحضور المشرف فقط .. والرجل السوداني عادةً يترك ذلك الأمر للزوجة أو الأم أو الأخت.. نسأل الله تعالى أن يجزيهن خيراً الجزاء على هذا الفعل النبيل.
* كم تأخذ شاشة التلفزيون من وقتك في رمضان؟
عندما أكون بالمدينة تأخذ معظم وقتي.. وفي الريف لا أشاهد التلفاز لأنني لا احتاجه.
*موقفٌ محرجٌ حدث لك في الشهر الكريم؟
عزمت ناس ونسيتهم وحدث ما حدث .. وموقف النسيان هذا مازال عالقاً بذاكراتي كلما لاح شهر رمضان وأقبلت أيامه.
*موقفٌ محزنٌ حدث معك في الشهر الكريم؟
فقد أعزاءً يتكرر كل عام اللهم احفظ أحبابي.. هناك أحباب رحلوا في هذا الشهر المبارك .. ومجيء رمضان يمثل باعثاً لذكراهم الجميلة.
*أشياء تحرص على فعلها في رمضان؟
النوم مبكراً.. ورمضان عندي لا يعني السهر لأطراف الصباح.. فهو شهر عبادة خالصة لله.. لذلك أحرص على النوم باكراً جداً.
*أكلة رمضانية مُفضّلة تحرص على تواجدها على السُّفرة؟
البليلة.. أحبها جداً وأحرص على وجودها في مائدتي.. ولي معها علاقة خاصة جداً.
*رسالة رمضانية.. ماذا تقول فيها ؟
يا أهل السودان.. كفاية شتات وضغائن.. البلد شايلنا والخير مكفينا لو النفوس اتطايبت.. والداير يحكمنا ما يقهرنا نحن ناس بسطاء ومن التركية السابقة ما لقينا زول حنين علينا..