شاكر رابح يكتب: ذكرى مذبحة الجزيرة أبا
1ابريل2022م
تمر الذكرى السنوية لمذبحة الجزيرة أبا 26 مارس 1970 من كل عام، هذه المجزرة التي اُستبيحت فيها دماء الأنصار وهدم فيها المسجد على رؤوس طلاب الخلوة والمُصلين واستمر القذف بالطائرات والمدفعية الثقيلة ثلاثة أيام وراح ضحيتها مئات الآلاف.
ما أشبه الليلة بالبارحة وما يهمنا هنا والبلاد تشهد صراعاً محموماً ومُلاسنات واتّهامات بين قوى اليسار وحزب الأمة القومي وهذا يؤكده الواقع ويُعضده التاريح وهذا يُؤكِّد أنّ ما يُفرِّق أكثر ما يجمع بينهم، وإن كانت هناك مُحاولات لتخبئة أوجه الخِلاف، أحاول جَاهِدَاً تسليط الضوء على معركة الجزيرة أبا، وحسب الشواهد والسرد التاريخي، إنه خُطِّط لها من قِبل نجاح انقلاب مايو 1969 عندما أعلن السيد بابكر عوض الله رئيس الوزراء في تصريحات مُستفزّة أن السودان (لا يمكن أن يُحكم بدون شيوعية)، ثم انطلقت المظاهرات التي رفعت الرايات الحمراء ورُدِّدت فيها الأناشيد المُنادية بالتطهير وإبادة الرجعية والطائفية، واعتبر الأنصار أنّ ذلك إعلان حرب ومُخطّط يساري خطير يجب مُواجهته، وفي تطور لافت أصدر كيان الأنصار بياناً شديد اللهجة، مُندِّدين بتوجه الحكومة الجديدة عقب انقلاب مايو، وقد خاطب إمام الأنصار الهادي المهدي، جموع المصلين في مسجد الكون بالجزيرة أبا، حاثّاً الجميع على مواجهة المد الشيوعي وكان ذلك في 20 مارس، ثم جرت وساطات بين الحكومة والإمام انتهت بتوقيع بعض الاشتراطات التي تُنادي بإبعاد الشيوعيين وتطبيق الدستور الإسلامي وإعادة النظام البرلماني.
هناك حديثٌ عن نكوص نظام نميري عن العهد الذي قطعه على نفسه خاصة التفاهمات التي تمت بين السيد نقد الله، وكذلك مخرجات لقاء الإمام الصادق المهدي مع الرئيس نميري، وتفاجأ الأنصار باعتقال النظام للسيد الصادق المهدي وتم تحميل الشيوعيين المتنفذين في ذلك الوقت، وعلى رأسهم رئيس الوزراء مسؤولية وصول الخلاف إلى ما وصل إليه في ذلك الوقت، بسبب أنهم يرون أن التفاهُمات التي تمّت تعتبر وصايا من الطائفية التقليدية يجب رفضها ومُواصلة مُخطّط ضرب الحزب ومَن تحالف معه.
انقلاب مايو عمل على توحيد الأحزاب السياسية اليمينية (الحزب الوطني الديمقراطي وجبهة الميثاق)، إضافةً إلى حزب الأمة القومي، حيث تشكّلت الجبهة الوطنية العريضة، وظهر ذلك جلياً في التفاف الكوادر الإسلامية حول الإمام، وما أدل على ذلك الزيارة التي قام بها الشريف حسين الهندي ورحلته الدبلوماسية التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية وإثيوبيا ووجود كوادر قيادية إسلامية وطلابية داخل الجزيرة أبا مُؤازرين الإمام في رفضه للحزب الشيوعي والنظام الجديد.
وفي تطور متسارع للأحداث، هاجم الأنصار رئيس الجمهورية آنذاك «جعفر نميري» إبان زيارته لولاية النيل الأبيض بشعارات غير مرحبة به والتي تعتبر معقلاً للأنصار، وكيف لا والجزيرة أبا تقع في منتصف الولاية في الضفة الشرقية للنيل الأبيض، انتهز الشيوعيون أنصار النظام الجديد، بل المخططين له والذين شكّلوا له دعماً شعبياً، انتهزوا الفُرصة للانقضاض على حزب الأمة، وقد نشط الإعلام الرسمي في تصوير الأنصار وإمامهم بأنهم ضد الرئيس نميري ونظامه اليساري، واعتبروا أن تجمع الأنصار واعتصامهم في الجزيرة أبا تمرداً على السلطة الحاكمة وعدم انصياع لأوامر الحكومة.
المراقبون يرون ان تجمعهم كان رفضاً للحزب الشيوعي ومحاولتهم فرض توجههم بقوة السلطة بسحق المعارضة “الأنصارية” التي رفعت اللاءات الخمسة (لا سلام بدون إسلام ولا للشيوعية في السودان ولا سبيل لمُغادرة خندق الديمقراطية ولا للتدخُّل الأجنبي ولا لاعتقال الشرفاء).
معركة الجزيرة أبا التي استبسل فيها الأنصار في منطقة الجاسر المُتاخمة لمنطقة المرابيع والشوال من الناحية الشمالية، عندما حاول العميد أبو الدهب التسلل عبر الجاسر لاعتقال الإمام الهادي انتهت معركة الجاسر باعتقال أبو الدهب ومن معه وتسليمهم للإمام، وقد أحسن الإمام استقبالهم وأطلق سراحهم وحملهم رسائل «مشروطة» للرئيس نميري، كما دارت معركة في مدينة ربك جنوبي الجزيرة أبا وحُرق فيها محلج الأقطان، واستشهد عددٌ من الأنصار وآخرون منتمون لجبهة الميثاق الإسلامية وكانت مُحاولة لإخراج الإمام، معركة الجزيرة أبا نتج عنها استشهاد سبعمائة شخص لأنّها معركة غير مُتكافئة، مجموعة من الأنصار يحملون سلاحاً نارياً تقليدياً وأسلحة بيضاء في مواجهة جيش نظامي يحمل سلاحاً نارياً حديثاً وفتّاكاً، كما أن هناك حديثاً عن مشاركة ثلاث دول الاتحاد السوفيتي ومصر وليبيا في المعركة.
شهود عيان من سكان منطقة الكريدة وأم جر بمحلية الدويم يرون أنّ الحزب الشيوعي كان متحمساً أكثر من الرئيس نفسه للدخول في مواجهة مُسلّحة مع الأنصار، وإنّ خروج بعض المواطنين لشاطيء النيل الأبيض غير مُرحِّبين بالرئيس وليس للدخول في مُواجهات مُسلّحة، وإذا كان الأمر كذلك لاستطاع الأنصار سحق القوة المُسلحة على قلتها واغتيال الرئيس وحرق الباخرة التي تقله، والحديث عن مُحاولة اغتيال الرئيس كان فبركة ومبرراً للمعركة ليس إلا.
سَحق الأحزاب اليمينية وعلى رأسها كيان الأنصار لم تنتهِ بمذبحة الجزيرة أبا وود نوباوى، بل تعمّد «الانقلابيون» في ذلك الوقت بقتل الإمام الهادي واستشهاده متأثراً بجراحه وهو يُحاول المُغادرة إلى إثيوبيا، المعركة بين اليمين واليسار مُستمرّة وَمُتّقدة مُتجدِّدة ولم تنتهِ بعد.
للحديث بقية
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،