أبيي ثمرة غنية بين الشمال والجنوب.. متى يحين قطافها؟
الخرطوم: الطيب محمد خير 30 مارس2022م
شرع السودان وجنوب السودان في فتح نقاش لاستئناف المحادثات بشأن تشكيل إدارة مشتركة لمنطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها، تزامناً مع زيارة بدأها وفد رفيع من جمهورية جنوب السودان السبت، للخرطوم.
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان خلال زيارته الأخيرة لجوبا، اتفق مع الرئيس سلفا كير على تعزيز التعاون المشترك في المناطق الحدودية بما في ذلك أبيي وتشجيع التعايش السلمي وتقاسم المصالح المشتركة بين البلدين، واقترح البرهان حسب موقع سودان تربيون، تشكيل إدارة مشتركة في أبيي وإن الاقتراح سيُخضع لمزيد من النقاش داخل القيادة.
ويرى المسؤولون في الدولتين، أن تشكيل الإدارة المشتركة من شأنه أن يجلب العديد من المزايا للمنطقة الحدودية، في مقدمتها تحويل حصة النفط لأبيي ويستفيد سكانها من النفط، فضلاً عن توفير خدمات الأمن وحماية الأهالي من التوترات والانفلاتات الأمنية التي ظلت تتكرّر بهجمات مسلحة من قبل مسحلين من ابناء المنطقة، احتجاجاً على عدم تنفيذ شركات البترول وعودها بتقديم خدمات صحية ومياه شرب تحت بند المسؤولية المجتمعية، فضلاً عن استيعاب أبناء هذه المناطق في وظائف شركات النفط.
وظلت منطقة ابيي الغنية بالنفط من القضايا العالقة المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان منذ الإعلان عن انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011 وفشلت كل المفاوضات التي جرت بين الدولتين في التوصل لحل حولها، وحاولت جوبا في العام 2013 فرض سياسة الأمر الواقع بتنظيمها استفتاءً من جانب واحد تم رفضه من جانب السودان.
الوصول لحل مُرضٍ
اعتبر محافظ أبيي السابق الخبير في قضايا الحدود الفريق حقوقي عبد الرحمن حسن عمر أن فتح الملف دون أن يتفاكر أصحاب المصلحة الحقيقيين للوصول الى حل مُرضٍ لهما بمعزل عن ما يريده الجانب الرسمي في الدولتين لن يساعد في الحل، وطالب بأن يكون هناك تعايشٌ حقيقيٌّ بينهم على الأرض، لافتاً الى أن أصحاب المصلحة الحقيقيين في قضية أبيي من جانب السودان الشمالي لم يتم إشراكهم وما زالوا بعيدين عن طاولة المناقشات التي تمت وستتم.
وقال الفريق عبد الرحمن لـ(الصيحة)، إنّ العيوب الموجودة في بروتوكول أبيي ادت لتعقيد الحل ولا تزال هذه العيوب موجودة ولم تقدم في أي مبادرة طرحت، لأن جانب دينكا نقوك في الحركة الشعبية جنوب ظلوا يعترضون على كل الحلول التي طُرحت، مستندين على بروتوكول ابيي الذي يحوى خللاً معيباً بتغييبه لاصحاب المصلحة من اهالي المنطقة في طاولة التفاوض، بينما كان دينكا نقوك حضوراً بقوة ما جعل صوتهم أعلى وبصمتهم في البروتوكول أكبر.
وأضاف: قبل اتّخاذ أي خطوة في فتح هذا الملف يجب إعادة فتح بروتوكول ابيي وإخضاعه لمزيد من الدراسة والتنقيح لمعالجة كافة العيوب والثقوب التي يحويها، وفي حال عدم إجراء هذا التنقيح والمعالجة سيظل ملف قضية ابيي معقداً وعصيّاً على الحل بسبب الخطأ الذي ارتكبته حكومة الإنقاذ بعزلها لأصحاب المصلحة.
وقال: ليس من الحكمة الآن ان تمضي الحكومة الحالية في اتباع ذات النهج الخاطئ، وزاد بقوله: إن كانت هناك إرادة صادقة لطي هذا الملف لا بد من الاستعانة بالخبراء المحليين من ابناء المنطقة، ويجب ألا تكون الحلول محصورة في مستوى المركز وهناك بعض الذين يفتون في هذا الملف المُعقّد وهم غير ملمين به، مضيفاً: على الحكومة ألا تُكرِّر ذات الخطأ باستبعاد أصحاب المصلحة الحقيقيين.
مزيد من الإشكالات
وأشار الفريق عبد الرحمن إلى أن الوضع على الأرض في المنطقة ينذر بمزيد من التصعيد وتفجير مزيد من الإشكالات وهذا واضح من التوترات والتفلتات التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة، والسبب أن قوات (يونسيفا) الإثيوبية تعمل بطريقة سالبة لإشعال الصراع وتفاقم الأزمة في المنطقة وهذا نتيجة التوتر الذي تشهده الحدود بين اثيوبيا والسودان وسد النهضة، وجميعها ملفات متنازع عليها بين البلدين، ومن الطبيعي ستكون لها تأثيرات في عمل هذه القوات الموجودة بهذه المنطقة الحساسة على الحدود ومتنازع عليها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون محايدة في كتابة تقاريرها حول الأوضاع في المنطقة وبالتالي من الضروري العمل على استبدال هذه القوات بقوات هجين من دول أخرى.
وفي رده عن إمكانية قيام إدارة مشتركة للمنطقة في هذا التوقيت، قال الفريق عبد الرحمن لن تقوم هذه الإدارة إن لم يحدث تراضٍ، مشيراً إلى أنه سبق أن تم اتفاق في جولة تفاوض على إدارة لأبيي، لكنه رفض من قبل دينكا نقوك في الحركة الشعبية جنوب وظلوا متمترسين لتمرير اجندتهم بما لديهم من علاقات مع المجتمع الدولي الذي لديه رؤية مختلفة عن الحقيقة التاريخية لأبيي.
أخطاء اتفاق نيفاشا
فيما قال الخبير الدبلوماسي السفير الطريفي كرمنو لـ(الصيحة)،
إن التعقيدات والمصاعب الموجودة في قضية أبيي ناجمة عن أخطاء في اتفاق نيفاشا يتحمّلها علي عثمان محمد طه، وافدح هذه الأخطاء سحب القوات السودانية من منطقة أبيي، في وقت كان اتفاق 2005 بداية حقيقية لانفصال الجنوب وليس 2011.
ونوه كرمنو أن البترول الغنية به المنطقة سيكون نذير شؤم كما هو الحال في نيجيريا وهذا واضح من الاعتداءات المتكررة على الحقول من قبل الأهالي المطالبين بنصيب المنطقة تحت بند المسؤولية المجتمعية، فضلاً عن النزاعات القبلية بين دينكا نقوك والعرب المسيرية، ولا بد قبل التفكير في إنشاء سلطة لإدارة المنطق ان تتم تسوية بين الدينكا والعرب حتى يعود الوئام الذي كان بينهم في فترة الناظر بابو نمر والسلطان دينق مجوك.
وقال إن الحدود المتنازع عليها الآن معروفة ومتفق عليها حتى وقت قريب قبل ظهور البترول الذي أصبح نقمة وخرابا على الأهالي والمنطقة بدلاً من تطوير المنطقة والنهوض بها تنموياً وعُمرانياً واقتصادياً.
وأضاف كرمنو أن محاولة قيام الادارة المشتركة في هذا الوقت ستُواجه بصعوبات بسبب التعقيدات التي تشهدها المنطقة للصراع المزدوج على البترول من قبل الأهالي، ومن جهة أخرى بين الدولتين وكل يريد نصيبه من البترول، واعتقد ان هذا الصراع سيطول أمده بسبب البترول.
وجود بعثة (يونسيفا)
أشار كرمنو إلى أن وجود القوات الإثيوبية بعثة (يونسيفا) تشكل مشكلة أو عقبة أخرى في طريق معالجة هذا الملف بدايةً من أن هذه القوات مستفيدة من استمرار الصراع والتوتر في المنطقة، لأنها تعمل تحت الأمم المتحدة وتصرف رواتبها بالدولار، وبالتالي من مصلحتها إطالة أمد هذا الصراع كما هو الحال لقوات “يوناميد” في دارفور وكلاهما ليس لهما أي دور في حفظ الأمن على الأرض، بل تحولت هذه القوات لجزء من المُشكلة على الأرض حفاظاً على مصالح أفرادها من القيادات والقوات، وبالتالي لا أرى حلاً لطي هذا الملف في الكثير من التعقيدات وستظل أبيي منطقة مجمدة غير مستفاد من ثرواتها ولا يوجد فيها سلامٌ.