الخرطوم: جمعة عبد الله 30 مارس2022م
عاود بنك السودان المركزي مجدداً العمل بسياسة “سعر الصرف المرن المدار” عقب انفلات أسعار العملات الأجنبية مؤخراً، وجاءت خطوة البنك المركزي في مَسْعىً للتدخل ووقف الانفلات حيث شارف الدولار قبل أسبوع نحو “720” جنيهاً، فيما يرى خبراء اقتصاديون ان تدخل البنك المركزي “أمرٌ مُهمٌ”.
أنسب سياسة
يؤكد المحلل الاقتصادي قاسم الصديق، أهمية عودة البنك المركزي الرجوع عن مجاراة تجارة العملة في عرض أسعار عالية والعودة الى نظام السعر المرن المدار، لافتاً إلى أن البنك المركزي لا يملك آليات التعويم، مطالباً بمنع الشركات الكبرى من شراء الدولار.
وأكد الصديق استحالة اتفاق المستوردين على التوقُّف عن الشراء، لكنه سيكون إيجابياً إن تم، لكن يمكن ان ينخفض الدولار الى مستوى يشجع بعض المستوردين على معاودة الشراء وينعكس مؤشر العملة صعودا مرة ثانية، متهماً البنوك التجارية بالتسبب في القفزة العالية للدولار في الفترة الماضية، وطالب بتحييدها تماماً في هذه الفترة.
وتوقع الصديق ان يكون في كوتة بيع عملات يومية للمستوردين مثلاً “60” مليون دولار أسبوعياً حتى يطول استقرار السعر قبل أن تنفد الوديعة، بيد ان الامر سيشهد صفوفاً في الانتظار، ودعا لتمويل كل الاستيراد من سلع استراتيجية وضرورية وأخرى حتى لا يلجأ احد للموازي ويتحوّل الجميع للاستيراد.
قرارٌ ذو حدين
المحلل الاقتصادي د. محمد الناير، قال منذ اتخاذ سياسة سعر الصرف المرن أو تحرير سعر الصرف أو تعويم الجنيه، إن هذا القرار سلاح ذو حدين إما أن يكون الدولة لديها احتياطيٌّ من النقد الأجنبي أو الذهب تستطيع أن تدعم نجاح هذه السياسة من خلال ضخ كميات النقد الأجنبي لتلبية الاحتياجات في السوق لخلق استقرار، وفي نفس الوقت تعمل على جذب تدفقات النقد الأجنبي من مُصادره المختلفة، هذا خيار كان يمكن أن يؤدي إلى استقرار سعر الصرف بصورة أساسية، أما عدم وجود احتياطي لدى الدولة واتخاذها لمثل هذا القرار تُعتبر قفزة في الظلام ويبدو ما يحدث الآن هي توقُّعاتنا فور صدور القرار، وقلنا إن السوق الموازي سيكون في حالة ترقُّب مُستمر، وبالتالي هذه الحالة يكون فيها عدم بيع وشراء وهذا ما حَدَثَ الأسبوع الماضي، وتوقّعنا خلال هذا الأسبوع أن يكون هناك اختبارٌ للدولة والاختبار نتيجة للسوق المُوازي بإعلانه سعرا أعلى للدولار على أساس أنه يختبر الدولة هل لديها احتياطي من النقد الأجنبي أم لا، وبالتالي إذا اتضح للقطاع الخاص أن الدولة ليس لديها الاحتياطي من النقد الأجنبي واتبعت هذه السياسة التي تُشكِّل خطرا على الاقتصاد بالتأكيد سيقفز الدولار بالسوق السوداء قفزات متتالية وبالتالي هذه السياسة لم تحقق النجاح المطلوب، ويضيف قائلاً: حمّلنا المسؤولية للذين أصدروا هذه القرارات والذين يعلمون حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي أو الذهب بالبلاد باعتبار أن لا يتخذوا هذا القرار إذا لم يكن لديهم احتياطي كافٍ وكان يُمكن أن يتبعوا وسائل أخرى لتأمين الاحتياطي أولاً ومن ثَمّ الإقبال على هذه الخطوة.
سلباً وإيجاباً
الخبير الاقتصادي د. ناجي مصطفى، يرى أنّ حركة الصادر تتأثر بانخفاض قيمة العملة المحلية سلباً وإيجاباً، وقال: تتأثر سلباً إذا كانت مدخلات إنتاج الصادر مستوردة فهذا يرفع التكلفة، وإيجاباً بحساب أن تكلفة الإنتاج المحلي تقل بالمُقارنة لارتفاع قيمة بيعها في الخارج والمحسوبة بالدولار المُرتفع، وعن الإجراءات الواجب اتّباعها، حدد د. ناجي أربعة ثوابت متمثلة في جلب التقنية لتقليل تكلفة الإنتاج، توطين الصناعة المحلية، والتوقف عن تصدير الخام، وتقنين محافظ الاستيراد لتلبي الضروريات فقط.
ضئيل الأثر
هيثم محمد فتحي، باحث اقتصادي، يقول ما يحدث الآن للجنيه السوداني هو حصاد لجوانب الخلل الهيكلي في البنيان الاقتصادي والذي يفرض نفسه على سعر الصرف، مُضيفاً: بحيث يصبح التحرُّك نحو حل مشكلة الأخير مرهوناً بالقضاء على جوانب هذا الخلل، ويرى د. هيثم أن استخدام سعر الصرف كأداة للتصحيح أمر ضئيل الأثر في ظل استمرار جوانب المشكلة الاقتصادية على ما هي عليه، ولفت إلى أنّ الأمر يتطلب إعادة صياغة السياسة الاقتصادية للبلاد بما يجعلها ذات كفاءة لزيادة حصيلة الصادرات وجذب رؤوس الأموال من الخارج، مشيراً للمساهمة في زيادة الادخار لبناء قاعدة إنتاجية قوية بالبلاد تعتمد على القطاعات السلعية وعلى رأسها الصناعة والتجارة ولا تعتمد على الأنشطة الخدمية محدودة القيمة المضافة للتنمية.
تطورات سلبية
وأوضح د. هيثم أن حركة الصادرات والواردات الآن تشهد العديد من التغييرات المهمة والتطورات السلبية والتي انعكست بدورها على تحركات الجنيه السوداني الذى يواصل انخفاضه مقابل العملات الأجنبية بصورة كبيرة، وقطع بأن الأمر قد يُثير العديد من التخوفات لدى الجميع سواء المستهلكين والمستثمرين، نتيجةً للآثار السلبية الناجمة عن ذلك، سواء تمثل في ارتفاع معدل التضخم، أو ما يحدثه من آثار على حساب المعاملات الرأسمالية، حيث يزداد الشعور بالقلق، ويدفع رأس المال إلى الهروب، خاصة في ضوء التخوف من تخفيضات جديدة ، مع فقدان الثقة في السياسات التي تعتمدها الحكومة في إدارة الاقتصاد، وكذلك فقدان الثقة في النظام النقدي السائد، ويؤكد أن سعر الصرف من أهم أدوات السياسة النقدية المهمة التي تركز عليها الدولة من أجل تفادي الاختلالات الهيكلية لاقتصادها.