الباقر عكاشة عثمان يكتب :انتقال التتريس من الشوارع إلى مؤسسات الدولة الخطر القادم
26مارس 2022م
أيقنت تماماً أن الوضع المتأزم في كل مناحي الحياة يرجع الى توهان البرهان في ادارة البلاد، حيث اصبح فاقداً توازنه بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة التي ورثها من قحت، حيث فقد اقرب الناس اليه بسبب تغافله عما يحري على أرض من سيولة امنية وازمات اقتصادية واجتماعية أنهت كل شيء جميل جف فيه الزرع والضرع فليس بيننا الآن من يحترم صغيرنا ويوقر كبيرنا إلا من رحم ربي وغاب عنا من كان يحب لأخيه كما يحب لنفسه انتهت موروثاتنا وعاداتنا وتقاليدنا السمحاء بعد ان اصبحت القيم المادية هي السائدة في مجتمعاتنا، ففي غياب هيبة الدولة اصبح صاحب المال هو من يقود الشارع (من أمن العقاب ساء الادب) تتريسا وحراكا بحوافز ليغني كل على ليلاه ما دام المعينات حاضرة والحزم التشجيعية قولا وفعلا متوفرة ويمكن الوصول اليها حاليا وغداً بكل يسر.
فبدلا من توجيههم وتثقيفهم في حماية المال العام والرجوع لشعارات الثورة (حنبنيهو) نجد الآن كل معاول الهدم جاهزة.
حقيقة ليس ما يحدث في الشارع من حراك المعوق الأكبر في مسيرة الانتقال فيمكن حسم التفلتات بفرض هيبة الدولة بتفعيل القوانين الموجودة اصلاً، وتقديم قيادات صلبة لا تتوانى في حسم التفلتات والقبض على كل من يسعى لتلف المال العام وحرية حركة المواطنين.
القضية الكبيرة التي يصعب علاجها الهجمة الكبيرة على مؤسسات الدولة من قبل جهات بعينها تجنيدا وتعيينا وبقية المناطق على غفلة تتبارى في الفهم بين عسكر ومدني فظهرت رائحة الجهوية وتصفية الحسابات داخل مؤسسات الدولة، أيعقل ان يقوم مدير ادارة بركن عمل صادر من جهات عليا، أيعقل ان تقوم جهة فنية تتفيذية بتعطيل عمل اشرف المجلس السيادي ومحافظ بنك السودان ووزارة التجارة الجهة المختصة بإصدار حركة التجارة التساهل وعدم وجود المحاسبة يترك العنان للسكرتير أن يقوم بعمل الوزير وان يكون هو المشرع والمفتي هنا تظهر رائحة السياسة والشللية داخل مؤسسات الدولة فإصلاح المؤسسات تحتاج لجهد كبير عندما تنقل ثقافة الناشطين الى الوزارات تنتهي الهيكلة الوظيفية وتنظيم العمل من الأعلى الى الدنيا، وعندما يمسك حامل السلاح القلم يكون كل همّه الوصول لمبتغاه بقلمه بعد عجز الوصول اليه بالسلاح فأصبح التتريس في المؤسسات ثقافة جديدة أفرزتها عدم المحاسبة.
أيام الثورة في اوجها عام 2019 كتبت مقالات بعنوان خطوة عديلة يا برهان والحصة وطن. حذرت فيها من استصحاب الاحزاب بحركاتها المسلحة في الفترة القادمة وكذلك من الذين لم يفيقوا من سكرة الثورة والمتطلعين مع عدم المساس بجهاز الامن والاستفادة من امكانياته البشرية والمادية وخاصة الادارات المهتمة بأمن البلاد، فأكبر خطأ ارتكبه سوار الذهب حل جهاز امن الدولة وان يأتي الشيء، اقول للسيد رئيس المجلس السيادي أنا يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي عليك الآن بمخاطبة مناصري خطاب مسار التصحيح وهم القوى الصامتة يمثلون 90 في المائة من الشعب فهم امانة في عنق القوات المسلحة، فبادل صمتهم بتحية وذلك بإبعاد الأحزاب من الفترة الانتقالية، وليس هناك ادنى شك في قدرة القوات المسلحة في قيادة الانتقال لبر الأمان فتجربة سوار الذهب في السودان ليست ببعيدة، وكذلك طنطاوي بالشقيقة مصر، القوات المسلحة هي الجهة المتماسكة الى الآن والمحافظة على تنظيمها فهي الهيبة والقانون والشعب ومنوط بها المحافظة على البلاد من أي تربصات داخلية او خارجية والتاريخ لا يرحم ولا يزعجك اصحاب الاجندة الذين يسعون لتعكير صفو العلاقة بين الشعب وقواته المسلحة بتقزيمها والسخرية من قادتها.