مُجريات الأحداث.. منذ الحادي عشر من أبريل
تقرير: النذير دفع الله
منذ الحادي عشر من أبريل الماضي، ظلت الحالة السياسية السودانية غير مستقرة تنذر باستقطاب سياسي حاد، يوشك أن تفقد معه القوى السياسية حكمتها وإدارتها للمرحلة الحالية، مما يؤكد وجود انعدام رؤية واستراتيجية قومية شاملة تُخرج البلاد من حالة التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتوسع الاقليمي والدولي للأزمة السودانية.
أكثر من ثلاثة ستين يوماً تبادلت فيها القوى السياسية السودانية جميعها دون استثناء كل خبرتها السياسية دون التوصل لرؤية محدّدة تقنع الجميع بالمعالجات الحقيقية للأزمة السودانية التي كل يوم يمر عليها تزداد ضيقاً وعناءً.
عودة للوراء
المجلس العسكري أوضح أنه متى ما توفرت الشروط التي تسمح بنقل السلطة للمدنيين، فإنه سيفعل ذلك، حيث قال رئيس اللجنة السياسية والناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، الفريق ركن شمس الدين كباشي، إنه بالعودة للوراء قليلاً منذ 11أبريل، اليوم الذي انحازت فيه القوات المسلحة لاقتلاع النظام البائد وثورة الشباب، وأنها قطعت العهد على ترتيب الأوضاع، وإعادة السلطة للشعب، أكد الكباشي أن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ستعمل على نقل السلطة كاملة خلال الفترة الانتقالية لحكومة مدنية مستدامة كما يريد الشعب، سيما وأن القوات المسلحة أكدت سابقاً أنها لا نية لها ولا تطمع في الحكم، مشيرًا أن المجلس اعترف بالتغيير، فكانت الاستجابة لاستقالة عدد من أعضاء المجلس العسكري. وأوضح الكباشي، أن المجلس طالب قوى إعلان الحرية والتغيير بتقديم مقترحهم حول الحكومة المقبلة، منبهاً أن رئيس المجلس العسكري الحالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان جاء نتيجة لرغبة صوت الشارع خلال الثورة، مضيفاً أن العسكري من أجل مصلحة البلاد عكف على التواصل مع الجميع دون إقصاء، ولكن قوى إعلان الحرية والتغيير التي اعترفنا بها رغم عدم تمثيلها لجميع مكونات المجتمع السوداني والقوى السياسية الأخرى، عليه حرصاً منا على المصلحة العامة، قررنا مشاركة جميع القوى السياسية الأخرى بكل مكوناتها عدا حزب المؤتمر الوطني، دون إغفال لأي طرف سياسي آخر، سعياً للتفاوض والوصول لحل يرضي جميع الأطراف، وأشار الكباشي أن المجلس دخل في عدد من الجلسات مع قوى الحرية والتغيير، على الرغم من طلباتها المتعلقة بتغيير عدد من أعضاء المجلس حتى يستمر التفاوض، فكان لهم ما أرادوا.
ووصف الكباشي سلوك قوى إعلان الحرية والتغيير خارج قاعات التفاوض بالتصعيد غير المبرر، مؤكدًا أن العسكري اتفق مع الحرية على جملة من الطلبات، منها تمثيلهم كاملاً للمجلس التشريعي، ومجلس الوزراء، بتمثيل مدني خالص مع تمثيل المؤسسة العسكرية لوزارتي الدفاع والداخلية، وأن تؤول رئاسة المجلس السيادي للعسكري بنسبة 76% إلى 33%.
نقاط خلاف
وامتعض الكباشي من بعض السلوك الصادر من القوى الأخرى تجاه المجلس، واتهامه بأنه خان الله ورسوله والوطن، من خلال الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع قوى الحرية والتغيير، ولكن قبلنا كل النقد حفاظاً على إخراج البلد لبر الأمان على الرغم من الاتفاق، فقد أخلت قوى الحرية بالعهد والاتفاق بتصعيد الأوضاع، ووضع المتاريس في كل أنحاء البلاد، وإعاقة وتعطيل حركة المرور مما أجبرنا على تعليق التفاوض.
وقال الكباشي إن القوات تعرضت لاستفزاز كبير أمام قيادتها من قبل بعض الحركات المسلحة ولكنها احتكمت لصوت العقل وتحملت الإساءة، وعليه أصدرنا بياناً بوقف التفاوض لمدة 72ساعة، ولن نعود إليه مرة أخرى قبل إزالة المتاريس وفتح الطرقات والالتزام بمساحة الاعتصام.
وأقر الكباشي عن وجود عدد من النقاط التي أدت لعدم سير العملية التفاوضية، منها عدم وجود مرجعية موحدة في ظل هذه الظروف، بينما الأمر الآخر أن أعضاء التفاوض غير ثابتين يتم تغييرهم كل حين، مما أعاق العملية التفاوضية، بينما عدم إنزال ما اتفقنا عليه ميدانياً هو أكبر المعيقات التي أدت إلى عدم التوصل لحل بيننا وقوى الحرية والتغيير.
مفهوم المدنية
وقلل الكباشي من مفهوم الكثيرين لمفهوم المدنية التي يطالبون بها، ووصفه بأنه استبعاد تام للعسكر، وما اتفقنا عليه في السلطات الثلاث، مبيناً أن الخلاف بين المجلس وقوى الحرية يتمثل فيما نسبته 5%، ولكن الآخرين تركوا جملة 95% وتمسكوا بالـ5%، في الوقت الذي فقدنا فيه أرواحاً كثيرة.
وأوضح الكباشي أن تمسك العسكري بالرئاسة يأتي من أن القوات المسلحة تظل هي الضامن الوحيد للأوضاع الأمنية في مثل هذه الظروف، فضلاً عن أنها تمثل الرمزية القومية، مبيناً أن ما صاحب عملية تنظيف منطقة كولومبيا من أخطاء لم يكن يستهدف مكان الاعتصام، لأن كولومبيا أصبحت تشكل تهديداً للمعتصمين وللمارة ومرتعاً للإجرام، فقررنا إزالتها واعتبارها مهدداً أمنياً، منبهاً: لو أردنا إزالة الاعتصام لفعلناه من قبل، ولكن لحساسية الموقف في هذا التوقيت اتفق العسكري بكل مكوناته على إزالة وفض الاعتصام فحدث ما حدث.
وجدد الكباشي أسفه لما حدث من انحرافات في الخطة الموضوعة، وأكد عدم السماح بعودة الاعتصام أمام القيادة العامة، وفي كل المناطق العسكرية في جميع ولايات السودان، الأمر الذي أدى لتكوين لجنة تحقيق حول ما حدث.
تفاوض غير مباشر
وأعلن الكباشي أن قوى الحرية والتغيير، أصدرت بياناً بعد هذه الأحداث أعلنت فيه وقف التفاوض والعودة للعصيان المدني الذي أدخل البلد في شلل تام، وهو ما اضطررنا لأن نعلن عن انتخابات مبكرة خلال تسعة أشهر نعرف أنها لن تفي بالمطلوب، ولكن كل هدفنا هو تشكيل حكومة كفاءات ونقل السلطة لمدنيين في أقرب وقت من أجل التوصل لحل، مشدداً على وجود تهويل لبعض الأرقام والأحداث التي تؤثر سلباً في الأوضاع الداخلية من التحريض والتشويش، كاشفاً وجود الكثير من المبادرات التي قدمت للعسكري من أجل التوصل لحلول مرضية، فضلاً عن مبادرات إقليمية ودولية، فضلاً عن مبادرة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، التي خرجت بجملة من المطلوبات، منها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإعادة خدمة الانترنت التي لن تعود، لأنها أصبحت مهدداً أمنياً في الوقت الراهن، بينما لن نسمح بالحديث عن الانتشار الأمني، لأنه شأن يعني القوات الأمنية فقط دون غيرها، ومع كل ذلك، أشاد الكباشي بالخطوة التي قامت بها قوى الحرية والتغيير برفع العصيان المدني، ولكنهم تحدثوا للوسيط الأثيوبي عن عدم وجود ثقة كافية، وأن قوى الحرية طلبت نقل التفاوض لأديس أبابا. وقال الكباشي: أكدنا للوسيط الأثيوبي خلال التفاوض غير المباشر، رغبتنا في العودة للتفاوض خلال 24ساعة، إذا قبلت قوى إعلان الحرية والتغيير ذلك، لكنهم للأسف طالبوا بنقل التفاوض لأديس أبابا، مشددًا على أن المجلس العسكري لن يستجيب لأي ضغوط خارجية، وأن القوات المسلحة مؤسسة عسكرية لها هيبتها، ولكن وصل الأمر لبعض الجهات في التخطيط لفتنة قصد منها ضرب المؤسسة العسكرية واستفزازها موضحاً أن قوى إعلان الحرية غير جاهزة لاستلام السلطة، وغير مؤهلة لقيادة البلاد في هذه المرحلة.
وكرر الكباشي أن المجلس لو أراد تكوين حكومة قومية فلن يمنعه من ذلك شيء عن تكوينها من مختلف القوى السياسية.