عبد العزيز يعقوب – فلادليفيا يكتب :الثورة البدايات الخاطئة تقود إلى النهائيات الكارثية الحزينة ولكن يبقى الأمل!
25مارس2022م
(١١)
قال الكاتب الانجليزي الساخر جورج برنارد شو ” إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لان الاغلبية من الحمير ستحدد مصيرك ومصير البلاد” . وقال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وبطريقة ساخرة وبها استعلاء شديد ” إن الديمقراطية تجبرك على الاستماع الى آراء الحمقى” . والادهى والامر هو رأي سقراط الفيلسوف اليوناني والذي نقل عنه صاحبه افلاطون كاتب كتاب الجمهورية “انه كان يكره الديمقراطية لأن السواد الاعظم من الناس ليسوا اذكياء بما فيه الكفاية لإدارة الدولة “. هذه جوانب كان يراها هؤلاء المثقفون والفلاسفة في الديمقراطية ولكن ذلك لا يعني بأنهم كانوا يقفون ضد التداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والتنظيم، لكنهم كانوا يريدون حرية مقيدة وديمقراطية بضوابط، اما سياسيو ومثقفو السودان فقد كانوا على قدر كبير من العلم والثقافة والمعرفة والاطلاع ولكنهم فشلوا في إيجاد تجربة او أنموذج سوداني يقود البلاد والعباد الى نجاحات تحقق التنمية والرفاهية للشعب السوداني ، ومازالت التجربة السياسية السودانية المتعثرة تنتج الخيبات والإحباط بتجارب فطيرة فيها كثير من التشفي وروح الانتقام وقد كتب في ذلك الدكتور منصور خالد كتابا اسماه النخبة السودانية وادمان الفشل، والادمان لا يأتي في الغالب من تجربة واحدة وإنما من التكرار للتجارب الفاشلة. اما بقية السياسيين لم يوردوا اي كتابات عميقة على الممارسة الديمقراطية في السودان، وكانت جلها تعالج الاعراض وتترك الامراض تتفاقم.
(٢)
سألت نفسي واخوة اعزاء من مختلف المشارب ببلادنا لماذا يعيد الساسة والاحزاب عندنا إنتاج التجارب الفاشلة، رغم انهم فرادى يعتبرون من الزعماء الاذكياء و الافذاذ على محيطنا العربي والافريقي وربما العالمي زعماء من اليمين دكتور حسن الترابي والمهندس محمود محمد طه ومن اليسار الاستاذ عبد الخالق محجوب ومن الوسط الزعيم إسماعيل الازهري والمهندس والاستاذ محمد احمد محجوب والسيد الشريف حسين الهندي والسيد الإمام الصادق المهدي جميعهم كانوا علماء وأذكياء وزعماء وقادة ولكن تقاصرت هامتهم عن الإشكال الوطني وكيفية تجاوز الخلاف ولم تستطع مواهبهم أو عبقريتهم ان تفك طلاسم المعضلة السودانية التي ارّقت بلادنا وتكاد ان توردها موارد الهلاك، وقد استطعنا ان نحدد بعض السلبيات التي اعاقت ايجاد حلول مثل:-
اولاً: التنافس السالب بين القيادات السياسية.
ثانياً: غياب منهج العمل الجماعي ببرامج الحد الأدنى للقضايا القومية.
ثالثاً: البحث عن تحقيق الانتصارات الوهمية والمكاسب الشخصية والذاتية.
رابعاً: عدم الاهتمام بإشاعة الوعي ودعم القيم الاخلاقية للعمل السياسي.
خامساً: اعتماد القيادات والاحزاب السياسية على تجريم وتخوين الآخر.
سادساً: ضعف البرامج الخدمية في أولويات القيادات والاحزاب السياسية.
سابعاً: هشاشة اللحمة الوطنية مما سهل اختراقات دول الجوار .
ثامناً: اعطت الاحزاب والقيادات نفسها الحق في الاعتداء على الديمقراطية .
تاسعاً: ضعف التكوين لمنظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط.
عاشراً: ضعف البناء التنظيمي الديمقراطي للاحزاب السودانية.
حادي عشر: ربط التوظيف الحكومي في الوظائف العامة بالانتماء السياسي.
ثاني عشر: التنوع الإثني والعرقي اتخذ منحى سالباً، اثر على العطاء والبناء الايجابي.
ثالث عشر: في إطار التحولات الاقتصادية و الاجتماعية اصابت الشخصية السودانية بعض امراض الشخصية التي شوهت المجتمع وعطلت الانتاج وقتلت الابداع.
رابع عشر : شعور بعض الشخصيات بان تحقيق النجاحات مرتبط بهم شخصيا وليس نجاحا للمؤسسات مما يزيد من تضخيم الذات ومن ثم بزوغ نجم ديكتاتوريات على مستوى المؤسسات.
(٣)
الثورات تأتي دائما لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي ولكن التغيير السياسي تغيير يبدل انظمة الحكم فقط وذلك لن يقود الشعوب نحو التنمية والازدهار وتحقيق الرفاهية والنهضة ولكنه دافع “stimulus“ فقط يدعم التغيير الحقيقي. وهذا الدافع يحتاج الى ثورة اجتماعية ومفاهيمية كبيرة حتى نخرج من دائرة لا نهاية لها بين الانظمة الديمقراطية والعسكرية وتعالج التشوهات الاجتماعية والاقتصادية لتحافظ الشخصية المتوافق عليها للبلاد ثقافيا واجتماعيا ، ظلت هذه الدورة تفاقم جروح الوطن و تناقص القيم الفاضلة والنبيلة بمرارة التجارب ومظالمها وروح الانتقام والاستعلاء التي عمقت امراضنا وحجبت العدالة وافسحت للفساد مساحة وفتحت له ابوابا واستشرت قيم الاستعلاء العرقي والجهوي بشكل قبيح ومقيت، واوشكت بلادنا ان تضيع من بين ايدينا ولا اظن اي عاقل يختلف حول ذلك.
وللخروج نحو مساحة مشتركة بيننا جميعا اهل السودان وبناء جسور من الثقة لحياة افضل لنا جميعا لابد من
- اعلاء قيم الانسانية واحترام الانسان ، ورفع قيم تكريم الانسان بغض النظر عن التصنيف العرقي والجهوي وان التكريم تكليف الهي.
- الثورة الاجتماعية تستوجب الإقرار بالاخطاء وازالة المظالم ورد الحقوق.
- ابتكار تيارات تحفز الانتاج لرفع الفقر والمسغبة عن بلادنا الغنية وشعبنا الأبي.
- تأسيس تيارات و منظمات عمل مدني للدفاع عن الدستور والحقوق واعلاء قيم القانون واحترامه ومنظمات لاصحاح البيئة ودعم التعليم الاهلي وتقديم خدمات اجتماعية وصحية بالدعم والعون الذاتي، وتقوم على التطوع وان تبتعد هذه المنظمات عن الانتماء السياسي، لنتعلم كأفراد كيف نعمل بمختلف توجهاتنا السياسية بما يخدم مصلحتنا جميعا وبعيدا عن الكسب السياسي.
- إعلاء قيم الدستور والقانون وانقاذهما على الواقع بصرامة وعدالة تقضي على المحسوبية
- برنامج الحد الادنى الذي يحدد مصالح السودان اولا واخيرا ويضع الخطوط الحمراء في العلاقات الخارجية بما يحفظ للبلاد هيبتها وسيادتها الوطنية.
- استيعاب الشباب في مشاريع انتاج زراعي وحيواني وصناعي تؤمن لهم مستقبلا واعدا وتفتح لهم افاقا للتجارة الخارجية.
- الاهتمام بالكليات التقنية والمعاهد الفنية لتأهيل كادر يؤمن استمرار هذه المشاريع بكفاءة عالية ومقدرات فنية تراعي المقاييس العالمية.
- الاهتمام بالرعي والرعاة والعمل الجاد على استقرارهم في مناطق معينة مما يعين على الاستفادة من الالبان وتطوير صناعة المنتجات الحيوانية والالبان، ومما يعين على عدم الاحتكاك في رحلات البحث عن الماء والطعام التي ادت الى صراعات دموية بين القبائل في مناطق الرعي والزراعة.
- الاهتمام بالصناعات الصغيرة والاسر المنتجة وتوجيه الجامعات والمؤسسات الاكاديمية باعداد الدراسات والدعم الأكاديمي.
هذه بعض المعالم قد لا تحمل الحل الناجع وتحتاج الى مزيد من الجهد، ويمكن اعتبارها هوادي///// عامة يمكن ان تضع معالم عامة في طريق التغيير نحو الطريق الصحيح الذي يحفظ بلادنا ويحقق الشراكة الحقيقية ويقود الى التنمية والرفاهية.