شهاب الدين عبد الرازق عبد الله يكتب :حول ثقافة الديمقراطية وراهن الصراع السياسي في السودان (2)
25مارس2022م
وفي حاضر الصراع السياسي الراهن في وطننا، والذي هو احد تجليات ضعف الثقافة الديمقراطية في مجتمعنا، فقد انقلبت المؤسسات العسكرية بقوة السلاح على شراكتها مع قوى الحرية والتغيير وأبعدتها من مؤسسات السلطة الانتقالية في تعارض تام مع ما جاء في الوثيقة الدستورية في سلوك يكرس لاستمرار ثقافة نقض العهود والمواثيق، ويورث واقعا من إنعدام الثقة والانقسام، قد يتجاوز مداه قمة السلطة ليصل ضرره لمؤسسات قاعدية من المفترض أن تكون قومية ومستقلة ومهنية وبعيدة عن الاستقطاب السياسي، كما أنه سلوك أوقف مسيرة التحول الديمقراطي، وألحق ضررا بمصالح الوطن العليا داخليا وخارجيا، و في كل جوانب الحياة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، كما أضر بالتطور السياسي في البلاد ثقافة وأدوات، كون أن تجربة شراكة الأحزاب السياسية في الحكم ترسيخ لدورها الأصيل المختطف من قبل الشموليات العسكرية المتعاقبة باعتبار أن الأحزاب أداة للتنمية السياسية والحكم في المجتمع الديمقراطي، ولأن تطوير دور الأحزاب السياسية في المجتمع كاتحاد طوعي على أساس الفكر يدعم إتجاه بناء دولة المواطنة التي تحترم التنوع وتحميه في وطن تصاعدت فيه روح العصبية للقبيلة، بل وأصبحت مهددا لوحدة وتنوع وتماسك المجتمع، كما أن تطوير الأحزاب السياسية وتحالفاتها لتقوم بدورها في النظام الديمقراطي يمنع طغيان الفرد ورأس المال، و يحد من تأثير الشعبوية التي تقدم خطابا حماسيا يعتمد الإثارة والكراهية. وفي رأيي، لا يزال الرجاء كبيرا ومعقودا على فكرة التحالفات السياسية لتكون الأداة السياسية التي يقوم عليها المشروع الوطني الديمقراطي، وفي تجربة تحالف قوي الحرية والتغيير، والتفاف كل مكونات الثورة على اختلاف رأياتها تحت قيادته في الموجة الأولى لثورة ديسمبر التي توجت بخلع البشير، ما يؤكد ضرورة توحيد العمل المقاوم تحت مظلة واحدة ومركز قيادة واحد، حتى لا تصبح المقاومة الجماهيرية جذرا معزولة عن بعضها البعض مما يسهل قمعها، وقد كان من الممكن أن تستمر تجربة تحالف قوى الحرية والتغيير الناجحة إن وضعت آليات لإدارة التباين والخلاف على قاعدة الاتفاق على الحد الأدنى الذي يوحد كل قوى الثورة، فجميع قوى الثورة تتفق على الأهداف، وتختلف فقط في التاكتيك ليلوغ تلك الأهداف، وكل قوى الثورة تتفق على خطورة النظام البائد على حاضر ومستقبل الديمقراطية في السودان، وتتفق على ضرورة تفكيك جهاز الدولة الشمولي، الذي يمثل قاعدة الهرم التي وقف على رأسها المخلوع لثلاثة عقود، وتجديد هذه القاعدة بجهاز دولة يقوم على أسس المهنية والثقافة الديمقراطية، وكان من الممكن أن يمضي التحالف بثبات في إنجاز هذه المهمه الرئيسية، وفي انجاز الاصلاح القانوني وإكمال عملية السلام وإتمام نواقصه ليكون سلاما شاملا ومستداما، لكن الطموحات الذاتية لبعض النخب والأحزاب وقوى الكفاح المسلح في معسكر الثورة، أضرت كثيرا بتماسك ووحدة الشارع الثوري وبددت هذه الصراعات المبذولة في كل الوسائط الإعلامية ثقة قدر كبير من الثوار في رشد الطبقة السياسية بتركيبتها الحالية، وفي مدى جديتها و إلتزامها بقيم وأهداف الثورة السودانية، ومعلوم أن الصراع السياسي ليس بين طرفين ديمقراطي وإنقلابي فقط، بل هو صراع متعدد الاقطاب ومتنوع الاتجاهات والمسارات، ومنه مثلا الصراع فيما بين القوى السياسية المدنية داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، و يمتد الى خارجها في قوى الثورة المؤثرة غير الممثلة في هياكل تحالف قوى الحرية والتغيير كلجان المقاومة وتجمع المهنيين الذي مثل بجناح وأحد، وكان من الحكمة تمثيل المجموعتين المتصارعتين في تجمع المهنيين داخل المجلس المركزي بل والعمل على توحيد جهودهما (إن تعذر رأب الصدع) من خلال العمل المشترك و الأهداف المتفق حولها بين كل مكونات التحالف، كما وتم تجاهل عدد من المجموعات الشبابية الفاعلة في الثورة، والتي أثر سلبا عدم تمثيلها في المجلس المركزي للتحالف في اسماع صوتها، وخلق الرضا و التوافق على القرارات التي تعبر عن خطها السياسي وقواعدها و مطالبها وأولوياتها، ولا بد من تصحيح هذا الخلل التنظيمي حال تم التوافق بين كل مكونات الثورة على إعادة توحيد مركز العمل المعارض للانقلاب، كما لا بد من تمثيل غير المنتمين حزبيا من المفكرين والمثقفين والاعلاميين و صناع الرأي، في الداخل والخارج، وقد كان في تجربة تحالف (التجمع الوطني الديمقراطي) ما يعرف بالشخصيات القومية ضمن إطار هيئة القيادة، ويمكن الاستفادة من تلك التجربة وتطويرها لتمثيل الملتزمين جانب الثورة من غير المنتمين حزبيا وفقا لمعايير ونسب يتم التوافق حولها، و هذا في تقديري، سيسهم في تعزيز المشاركة وتوسيع قاعدتها وتقوية التحالف السياسي، كل هذه الإصلاحات يجب أن تتم بمشاركة ممثلين عن كل قوى الثوره على قدم المساواة، وليس منحة من أحد، و وفقا لميثاق سياسي جديد وأسس ومعايير متفق حولها، ولائحة تنظيمية معلنة وواضحة وعادلة، تنتج مركز قيادة واحد، يكون بالفعل ممثلا ومعبرا عن كل قوى الثورة، يدير دفة الثورة في إتجاه تحقيق أهدافها، كما لابد من مواصلة الحوار والتنسيق مع الحزب الشيوعي السوداني والتوصل لتفاهمات حول نقاط الخلاف التي دفعت الحزب الشيوعي لمغادرة صفوف التحالف رغما عن انه أحد مؤسسيه من خلال كتلة قوى الاجماع، فمايجمع أضعاف أضعاف مما يفرق.