تتّجه الساحةُ السياسيةُ بكل مكوِّناتها ولاعبيها وقضاياها، إلى مربع جديد، لن تكون فيه العلاقةُ بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير كما كانت، ولن تكون الأخيرة كما هي، ولن تقف الأطراف الأخرى والقوى الثالثة كما تقف هي الآن، فخلال الأيام القليلة الماضية، حدَثت تطوّرات مُهمة على صعيد العلاقات البينيّة للمجلس العسكري وأحزاب وتيارات سياسية مهمة، وفاعِلة في الحياة السياسية، بينما زاد التوتُّر وقام جدارٌ من عدم الثقة، قد يَنسِف العلاقة بين العسكريين في مجلسهم، وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تتضاءل فاعليّتُها ويقِل تماسُكها كل يوم.. ولن تفيد التدخّلات الخارجية من أي مكانٍ جاءت في تسوية الوضع الراهِن بين الطرفين.
ويبدو أن عاملاً مُهِّماً سيكون ذا أثرٍ أسرع في توتير العلاقة، ولربما مُدمّر، هو الاتهام الذي نهض في المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري في وجه قوى الحرية والتغيير بأنها وراء المحاوَلة الانقلابية التي تمَّ إجهاضُها قبل بومين، وهو اتهام يتجاوز كل ما يُمكِن أن يكون عاصماً من الوقوع في دائرة العداء المُستحكِم، يضع الحرية والتغيير في موقفٍ لا تُحسَد عليه، إذا ثَبَت بالفعل تورُّطها في انقلاب عسكري على المجلس الذي تعامَل معها خلال الفترة الماضية بحماسٍ وثقةٍ واعتبرها وحدها ممثلاً للحراك الشعبي.
وهذا الاتهامُ خطيرٌ للغاية، ولا يفيد نفيه على طريقة البيانات المُتعجِّلة الباهِتة التي تُصدرها قوى الحرية والتغيير، وغير مُستَبعَدٍ أن تكون هذه التهمةُ قاصمة ظهر للتفاوُض المُنتظَر استئنافه بين الطرفين، خاصة أن هناك مُؤشِّرات ذات أبعادٍ أشد خطورةً تتلخَّص في موقف بعض أحزاب قوى الحرية والتغيير في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى كالدعم السريع والأمن، فهناك من قيادات هذا التكوين من توعّد بتفكيك الجيش وإعادة تركيبه مرة أُخرى، وطالَب بتخفيض عدده وإدخال الألوف من قوات الحركات المتمرّدة والجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق، داخل القوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة، وحل قوات الدعم السريع، وهو حديث مشهور ومنشور تبرّع به وصرّح، قيادات الحرية والتغيير، وكانوا يُعلِنونه جهرةَ في ساحة الاعتصام المفضوض..!
رد الفعل البديهي والمنطقي بعد الإشارة إلى تورُّط الحرية والتغيير في انقلاب عسكري، كيف يُفاوِض المجلس العسكري مهما كانت المُبرِّرات، من يسعى للانقلاب عليه؟ ويَعِد العدّة للانقضاض عنوةً على السلطة وانتزاعها، وتنفيذ مُخطَّطاته الجهنّمية ضد القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى؟
إذا كانت قوى الحرية والتغيير تسعى إلى تبرئة نفسها من هذه التهمة، وتبرير موقفها عبر الضجيج والصخب العالي والصياح الجنوني الذي يتنزَّى من بياناتها، فإن الرأي العام يحتاج إلى معلومات حقيقية، وتوضيحات فعلية، تدحَض التهمة، وتُقدّم دليل البراءة، مع العلم أن واقع الحال بالنظر إلى من هُم قوى الحرية والتغيير يدفع الكثيرين إلى تصديق الرواية.