سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع..
22مارس2022م
أحمد المصطفى.. وقبل الغناء أخلاقا!!
(1)
صحيحٌ إننا لم نعشه حينما أطلقوا عليه (الزمن الجميل) وهو بالطبع زمان غير زماننا هذا.. يختلف في كل شيء.. ذلك الزمان الذي وثّق له صديق الكحلاوي بأغنيته الفارعة والحاضرة (ريدة زمان) ومع أنه اقتطع جزئية معينة ولكنها في ذات الوقت تعبير دقيق وتوصيف بديع عن حال الحب في زمان ما.. الزمن الجميل أرّخ له محمد المكي إبراهيم (في جيلي أنا) التي تغنى بها الراحل العملاق محمد وردي.. كلهم كتبوا عن (زمانهم الجميل).. ولكن ماذا عسانا لأن نكتب عن زماننا هذا.. زمن فنان الصافية.. وقنبلة واضربني بمسدسك.. وغيرها من الترهات والتشوهات والمعيبات التي لا تحصى ولا تعد.
(2)
تبدو الفوارق جلية وواضحة ما بين (شبابنا وشبابهم).. ومن يتلفت للتاريخ قليلاً لا بد له من الوقوف عند سيرة عظماء أمثال الراحل عميد الفن (أحمد المصطفى).. حيث قال الأستاذ الشاعر والمؤرخ السر قدور (كان أحمد المصطفى من الأوائل الذين سعوا إلى قيام تنظيم الفنانين يجمع شتاتهم ويحقق مصالحهم ويحمي حقوقهم ويرتفع بمستواهم الاجتماعي والفني.. وقد بذل أحمد المصطفى جهداً يفوق جهد جميع زملائه لتحقيق هذه الغاية واستحق عن صدق لقب العميد بعد رحيل الحاج محمد أحمد سرور.
(3)
ويضيف السر قدور (كان أحمد المصطفى يكتسح انتخابات النقابة بفضل دعم العازفين له فقد كان أحمد لا ينظر إلى العازفين كأعضاء نقابة فقط ولكن كان يعتبرهم أبناءه وهو شديد الاهتمام والعناية بمشاكلهم وأسلوب معيشتهم ويتدخّل في حل مشاكلهم العملية والأسرية ويُشارك في مُناسباتهم ويهتم بهم عند المرض ويبحث عنهم إذا غاب أحدهم وقد بادلوه حباً بحب ومودّة بمودةٍ).
(4)
لقد استطاع أحمد المصطفى بالصبر الطويل والإخلاص أن يحتل مكاناً كبيراً في قلوب الناس في حياته ومن المُتوقع أن تستمر هذه المكانة لعدة أجيال قادمة وذلك لعدة أسباب, أهمها صدقه الشديد وذكاؤه الفني وصوته المُعبِّر وحُبه وإخلاصه لفنه, فقد كان نموذجاً رائعاً للموهبة والإخلاص والدقة والاتقان وكان من اكثر الناس حرصاً على ما أعطاه الله من نبوغ فني فكان يرعى صحته ووقته وعقله ومشاعره, كما كان شديد المُحاسبة مع نفسه, إلى جانب ذلك يتمتّع بقدرٍ كبيرٍ من الثقافة والوعي السياسي والاجتماعي والإنساني .
(5)
الإذاعي المخضرم خلف الله حمد كتب ذات مرة عن أحمد المصطفى وتوجّه بحروف غاليات قال فيها (لقد تطرّق قبلي كُتّاب وأدباء ونقاد من محبي الفن الغنائي والموسيقى بالكتابة عن أحمد المصطفى الفنان والمُجدِّد والملحن والمؤدي, ثم تطرقوا أيضاً لأخلاقياته ومسلكه مع مُعجبيه ومُستمعيه وزملائه, كما أشاروا وأشادوا بالتزامه كفنان واحترامه لفنه وتقديسه لرسالة الفن وإيمانه بتلك الرسالة التي تسمو بالإنسان وتدفعه للعمل لرفعة وطنه وحُريته واحترام ترابه والتمسُّك بتقاليده وبتعاليم دينه وشريعته السمحاء).
(6)
أحمد المصطفى سجل له للتاريخ أنه قد أنشأ مدرسة أخلاقية وفنية وسط زملائه سرعان ما انتمت لها الأغلبية الساحقة من الفنانين والموسيقيين, خاصةً أولئك الذين كانوا ملتصقين به وكانوا من أعضاء فرقته المستديمة, بل قد شملت مدرسته جميع أعضاء اتحاد الفنانين الذين كرّموه بثقتهم واختاروه عميداً لهم ليقود السفينة مع إخوانه وأبنائه وأقروا قانوناً لاتحاد لهم احتوى على أخلاقيات مدرسة (أحمد) وزادوا على ذلك أهدافاً سامية تعمل لتطوير الفن ونشره ورعاية الفنان وضمان احترامه وحقه في المجتمع.
(7)
كان الراحل العزيز يمثل في حياتنا الفنية ظاهرة لها قيمتها وثراؤها.. فقد احتل مركزا مرموقا وله تاريخ حافل في الساحة الفنية حيث قدم اكثر من مائة وخمسين أغنية, وهو من كبار مطربينا الذين وهبوا حياتهم للفن وحده واستطاع بعبقريته أن يُجسِّد لنا الكثير من المعاني والقيم الجميلة في حياتنا.. فقدمها لنا في أغانٍ لها جاذبيتها وبريقها الغنائي فكان السوداني المُتحمِّس الصادق في حُب وطنه وحب الإنسان والفنان الملتزم الذي يحترم فنه وجمهوره.