21 مارس 2022م
عام يعوم عوماً..
وأيامنا في الثانوي راجت نكتة بائخة تقول (كان هناك مدير “عام” غرق)..
وكاتب هذه السطور (عام) يوماً… فكاد يغرق..
كان ذلك منذ زمنٍ بعيد… وأراد تعلم العوم… وتكفل بتعليمه عبد الله العوام..
لقبوه بالعوام لأنه كان يُجيد العوم..
فأردت التعلم من إجادته العوم هذه ما أمحو به أميتي في مجال العوم..
فكان بالنسبة لي بمثابة مدرسة محو أمية سباحية..
وقريبٌ لنا كان جهله بلغة الضاد يماثل جهلي هذا بألف باء تاء العوم..
وبعد أسبوع سُئل عما تعلمه حتى الآن..
فأجاب قائلاً وهو يتبسم ببله (والله مدرسة “المحولجية” دي صعبة خالص)..
وخلصت فترته في محو الأمية سريعاً..
بعد أن خلصت روح أستاذه… أو كاد أن يتحول مجرى عقله إلى سكة أخرى..
تماماً كما يفعل المحولجي لتغيير سكة القطار..
ومعلمي عبد الله العوام كاد أن يغير مجرى روحي لتسلك سكة السماء..
كاد أن يقتلني غرقاً… ذات أصيل..
فبمظنة أنني تعلمت على يديه ما يجعلني أعوم دفعني بعيداً عن الشاطئ..
ثم طالبني بأن أعوم لوحدي الآن..
فماثلت الحجر (حتلاً) في الماء.. ولم ينقذني سوى عدم انقضاء أجلي..
ودهش العوام إزاء حكايتي هذه مع العوم..
وقال لي حين دفعت بي يد القدر نحو الشاطيء (خليك في البر أحسن)..
ولأنيس منصور قصة مشابهة..
فقد أراد تعلم العوم كبيراً… فكان معلمه هو بطل مصر في السباحة وقتذاك..
بمعنى أنه كان عوَّاماً… كمعلمي عبد الله العوام..
وبعد نحو أسبوع قال له (بص يا أستاذ أنيس… خليك على البر أحسن)..
وبقي على البر إلى أن مات..
وأنا إلى يوم عوم جنيهنا المسكين هذا – أو تعويمه – ما زلت على البر..
وغرق جنيهنا… و(عبد الله) العوام ينظر إليه..
فهو الذي ابتدر قصة دفعه صوب الماء ليعوم.. دون سابق محاولة تعليمية..
ولا حتى مدرسة محولجية… أقصد محو أمية..
ثم غرق العوام نفسه من بعد ذلك… تطبيقاً لمقولة (البحر بياخد عوَّامه)..
وغرق بغرقه اقتصادنا كله..
وكل شيء – وكل أحدٍ – يصرخ الآن (إني أغرق… أغرق… أغرق)..
وتكفّل وزير ماليتنا الآن بكتابة الشاهد..
كتب على شاهد قبر جنيهنا أمام وزارته (هنا يرقد المرحوم الجنيه السوداني)..
ولكن هل انتهت الحكاية… والرواية… والجناية؟..
لا لم تنته – ولن تنتهي – إلا بنهاية الجناة… والذين غرقوا جميعاً عدا واحداً..
وأول الغارقين عبد الله العوام..
أو الذي ظنناه عواماً… وسينقذنا من الغرق… كظني في عبد الله العوام ذاك..
فإذا به مجرد (عوام في البر)..
ومن يغرق – ويشبع غرقاً – لا أمل في نجاته..
وكذلك (ما) يغرق – كغرق جنيهنا – والذي لن يُبعث – حياً – من جديد..
ويبقى الأمل في مولود جديد..
ونُطلق عليه اسم الجنيه أيضاً… تيمناً بجنيهنا الذي عومه عبد الله فأغرقه..
وقد أشرنا إلى بشريات في خاطرةٍ لنا قبل يومين..
ولم نسمها… والآن نقول إن البشرى هي اتجاهٌ – علمنا به – لتغيير عملتنا..
وحينها سوف يُسقط في أيدي الكثيرين..
في أيدي المضاربين… والمتاجرين… والمزورين… والمخزنين..
وتبقت عقبةٌ واحدة تحول دون إنفاذ هذه التوجه..
دون إتمام عملية تغيير المسار المنتظر – كما المحولجي – ليتم (منانا)..
فلا مناص – إذن – من تغيير مساره هو..
حتى وإن أدى الأمر لإغراقه هو نفسه… ولن يُعجز هذا من بيدهم الأمر..
وعندها سوف تشتغل مطابعنا (رب… رب… رب)..
وستُبعث الحياة في جسد عملتنا من جديد… كما ستُبعث في جسد تلكم النكتة..
النكتة القائلة (كان هناك مدير “عام” غرق)..
وسينجو جنيهنا – الجديد – من أمثال عبد الله… ومن مدارس المحولجية..
ولن يحتاج إلى أن (يعبر)..
عوماً!!.