تقرير: مريم أبشر 20مارس2022م
حركت دولة الإمارات مبادرتها الخاصة بتسوية النزاع بين الدول الثلاث السودان مصر و اثيوبيا و الذي وصلت فيه الاختلافات و التباينات حول وجهات النظر بشأن انشغالات كل دولة إلى طريق شبه مسدود رغم وجود أطراف دولية مسهلة على رأسها الولايات المتحدة الامريكية، التي رعت عدة جولات سداسية وثلاثية لوزراء الري والخارجية في البلدان الثلاثة، فضلا عن ذلك فإن النزاع حول سد النهضة يقع على عاتق الاتحاد الأفريقي المظلة الحقيقية للدول الثلاث بحكم عضويتها في الاتحاد الافريقي مسؤولية رعاية المفاوضات و تقريب وجهات النظر بين الدول. كما ساندت الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي في جولات التفاوض الأطراف كمسهلين من اجل تسوية النزاع.
إعادة تدوير:
يدور الآن حديث هنا و هنالك ان دولة الإمارات العربية أعادت احياء مبادرتها الخاصة بسد النهضة، و كشفت معلومات تناقلتها الوسائط الإعلامية ان الاسبوع المنصرم شهد اجتماعات بين وفود التفاوض من الدول الثلاث بالإمارات، و اكدت مصادر عليمة ان جولة ثانية من التفاوض تُجرى حالياً بالإمارات و لم ترشح حتى الآن اي معلومات عن حدوث تقدم من عدمه، غير ان المُرجح ان التفاوض يمضي تحت اجواء متفائلة من قبل الأطراف . و لم تفِ او تؤكد مصادر ان تكون احياء المبادرة الإماراتية كانت ضمن اجندة رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان في زيارته الأخيرة للإمارات ، غير ان المؤكد ان دولة الإمارات وجدت ان الاوضاع الآن ملائمة لخوض جولات تفاوض بين الوفود المعنية من الدول الثلاث ، لجهة اهمية الملف، فضلاً عن ان الدول الثلاث سبق و أن وقعت اتفاقاً حول المبادئ الأساسية، و قطع النقاش حول ملف السد اشواطاً بعيدة، في ذات الوقت الذي قطعت فيه عمليات التشييد أشواطاً ابعد.
الملء والتشغيل:
معلومات مؤكدة تحصلت عليها (الصيحة) أكدت ان الإمارات أحيت بالفعل مبادراتها وان الوفود من الدول الثلاث بتشكيلتها من الجهات المعنية (الري، الخارجية والامن والاستخبارات) تمضي حالياً في سرية تامة حيث انتهت جولة لمدة اسبوع و بدأت اخرى و لم ترشح اي معلومات حول مستوى التقدم المحرز . وكشفت مصادر عليمة لـ(الصيحة) ان المبادرة الإماراتية طرحت منذ العام الماضي إبان تولي الدكتورة مريم الصادق حقيبة وزارة الخارجية، و كشفت ان المبادرة تقوم على بندين اساسيين هما الملء والتشغيل.
ووصف مصادر، علاقات أبو ظبي بكل من الخرطوم و القاهرة و اديس ابابا بالجيدة، لافتة الى وقفة أبو ظبي مع أديس أبابا إبان التوترات الامنية التي شهدتها مؤخراً في حربها مع متمردي التيغراي ، كما تربط أبو ظبي بالخرطوم علاقات جيدة و كذلك القاهرة، و اشارت المعلومات ان تركيز المبادرة ينصب حول الكيفية التي يتم بها ملء الخزان و معلومات التشغيل وهي قضايا مهمة لدولتي مصر و السودان، و وصل التفاوض حولها لطريق مسدود، لجهة ان تبادل المعلومات يعد مهماً خاصة بالنسبة للسودان الذي يوجد به عدد من السدود احدهما على بُعد امتار من سد النهضة.
و لم تستبعد مصادر تحدثت لـ(الصيحة) كتابة النجاح للمبادرة الإماراتية يمكن ان تحقق الاختراق المطلوب، لجهة ان امر السد اصبح واقعاً وانجزت فيه إثيوبيا خطوات كبيرة، بل إنه شارف على الاكتمال، ولكن بحكم الواقع الجغرافي وفي إطار تبادل المنافع لا يمكن ان تمضي لوحدها.
اتفاق مُرضٍ:
مراقبون لم يستبعدوا امكانية التوصل لاتفاق يرضي الاطراف الثلاثة عبر المبادرة الإماراتية يضمن مصالح الدول الثلاث, وبالمقابل فإن عدم الوصول الى اتفاق يعد مشكلة في ظل الاضطراب السياسي والأمني الذي يعيشه الإقليم.
وبحسب قراءة متابعين، فإن أبو ظبي بعلاقاتها الجيدة و مصالحها المتبادلة مع الدول الثلاث و تأثيرها عليهم وبواقع احترام الدول الثلاث لها فإن فرضية نجاح المبادرة وارد بشكل كبير. وتوقع مصدر مطلع انه في حال مضت المبادرة نحو الاختراق المطلوب من خلال الجولات المنتظمة حالياً وتوقيع اتفاق بين الدول الثلاث، فإن الأطراف الدولية المتمثلة في الاتحاد الأفريقي المظلة التي احتضنت المفاوضات خلال الفترات السابقة، و كذلك الأطراف الدولية الأخرى كالأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة يمكن ان تدخل كأطراف ضامنة ومسهلة للاتفاق.
غموض الملف:
رغم التفاؤل الذي ابداه متابعون للملف بأن الإمارات يمكن ان تفلح في تحريك جمود ملف سد النهضة ، إلا أن خبيرا سابقا في الري شارك في عمليات التفاوض سابقاً وصف المبادرة بالغموض. وقال لـ(الصيحة) مفضلاً حجب اسمه إنّ المبادرة ظهرت بالوسائط ولم نقرأ لها تفاصيل، واستبعد امكانية التوصل لاتفاق في هذا الملف, و يرى ان اثيوبيا تحاول استغلال موقف السودان الضعيف حالياً بسبب تجميد عضويته في الاتحاد الأفريقي في تمرير أجندتها.
مشروع سياسي:
واعتبر المصدر ما يجري حالياً من مشاورات ومباحثات بمثابة مشروع سياسي لا علاقة له بالجوانب الفنية, لأن اصل المشكل في السد. ونوه الى أن الأطراف الفنية مبعدة، واضاف حتى وان اعتبرنا مشروع السد سياسياً, فإن الملف يحتاج الى ارادة سياسية وفهم عالٍ يفضي لتنازلات خاصة من الجانبين الإثيوبي والمصري, وكشفت المصادر عن مبادرة حقيقية كان يمكن ان تدفع باتجاه حل مُرض, لكل الاطراف قدمها وزير الري الأسبق المهندس يحيى عبد الجليل باعتباره خبير ري عالم بكل الأمور التفصيلية الفنية المتعلقة بإقامة السدود وتم تسليمها للجهات المعنية، غير ان المبادرة لم تحركها الحكومة و لم تجد التجاوب المطلوب من قبلها, وبالتالي تم قبرها بالداخل لعدم وجود الإرادة . و مضى الى القول: لا أعتقد بالحوار الجاري حالياً بالإمارات يمكن التوصل لحل.
خلل بنيوي:
على ذات توقعات النتائج الصفرية، مضى الدكتور صلاح الدومة الخبير في العلاقات الدولية حيث قال لـ(الصيحة) ان المبادرة الإماراتية تنطوي على خلل بنيوي لأن السودان لن يقبل بها بأي حال، و اضاف بأن المبادرة تمنح امتيازات لإثيوبيا في الأراضي السودانية بالفشقة بدون وجه حقٍ, وقال وفق تقديرات قانونية ذلك يمثل خللا معيبا. و رأي أن ما يجري في التفاوض حوله ليس فيه أي مصلحة للسودان، باعتبار أن التنازل عن الأراضي دون ضمانات حتى و إن كان بغرض الاستزراع يهدر الحقوق، ولفت الى ان الدول حتى في حال بناء القواعد العسكرية في دولها تتحكم في هبوط وإقلاع الطائرات ، فكيف يتم منح أراض زراعية بصورة مطلقة، وقال ان اي تنازل يحرم السودانيين من استرداد حقوقهم، فضلاً عن انه يجعل الجانب الإثيوبي يفلت من العقاب جراء ما ارتكب في حق المواطنين بالمنطقة.