منى أبوزيد تكتب : دورة الخوف..!
20مارس 2022م
“الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ”.. الكاتبة..!
الخوف في مؤسسة الزواج السودانية رفيقٌ دائمٌ برتبة ظل، ملازم أول “من قولة تيت”، بدءاً بحكايات الشروع في الخطبة التي تبدأ عندنا – في الغالب الأعم – على طريقة “بخاف يا إنت لو جيتك”. ثم يتحوّل الشعور بالخوف بعد تأطيرها إلى منهج تعبير عن الحُب وسلوك عاطفي ينوء بحمله الطرفان “هسه خايف من فراقك لما يحصل بَبقى كيف”..!
فالرجل في باكورة عهده يعبر عن حرصه على أنثاه بإظهار خوفه الشديد من فقدانها، خوفه من غضباتها المُضرية، خوفه عليها من المرض، من “الهواء الطاير” ..إلخ.. بعدها يأتي الزواج الذي لا تخلو أيامه الأولى من التعبير عن خوفه على عروسه – التي دقت الصاجة وزحزحت الرملة فبشر الرجال وزغردت النساء – من مُختلف الأخطار المُحدقة أو المُحتملة، بدءاً بالحسد والعين، وليس انتهاءً “بالترتعتة” والوقوع في “واطاة الله”..!
هذا ما كان من أمره هو، أما هي – أي العروس النمطية – فتحاول من جهتها أن “تستحلب” نقطة ضعفه تلك قدر الإمكان، فتُمعن في التمنُّع والدلال، وتتحوّل في أيام ارتفاع أسهمها إلى طفلة “زعولة” بإيعاز من خوف عريسها الدائم الذي يشعرها بأنها الطرف الأقوى في العلاقة، ثم، وبعد مرور ما يلزم من الوقت – بتحول الهمس إلى شخير وتَمدُّد الملل على أريكة الشغف – لا يلبث الزوج الذي اعتاد على رؤية وجه عروس الأمس خالياً من مساحيق التجميل وغارقاً في النعاس كل صباح، والذي بات يرى مُعظم التفاصيل التي كانت تخلب لبّه مكررة حدّ الاعتياد، والذي.. والذي.. لا يلبث عاشق الأمس أن يعلن طائعاً مُختاراً عن زهده في بطولة مسرحية الخوف..!
مع تشعُّب العلاقة وامتدادها واستقبال قادمين جدد يحظون بالنصيب الوافر من اهتمامها، تصبح الزوجة جُزءاً من قفص الذهب الأبدي المسمى “أسرة”، ويربكها القفز بين مقعد الزوجة الأم وعرش الزوجة الحبيبة، فتتمدّد مساحات الخوف من تسلُّل بعض الأخريات إلى مكانها الشاغر على وسادة “الأنثى الحلم”..!
وما أن يكبر العيال وتقف الزوجة على تخوم اليأس الإكلينيكي حتى تلتقط حبل الخوف الذي يتحوّل بقدرة قادر – في هذه المرحلة العمرية – إلى “أنشوطة”. هنا – وهنا فقط – تبدأ “الحاجة” في اتباع سياسة التخويف باعتبار أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع عن مملكتها، في مواجهة الهجمات السافرة الغاشمة التي تشنها بعض “بنات الزمن ده” على بعض الكهول الساذجين من أمثال زوجها..!
سياسة الهجوم تلك تتراوح عادةً بين حيلتين نمطيتين، الأولى تهديد “الحاج” بخسارة أولاده الذين تضمن هي ولاءهم المُطلق ووقوفهم غير المشروط في صفها إن حاول هو أن “يُفرفر”، والثانية إيهامه بأنّه قد أصبح خرقة بالية مع الإكثار من الحديث عن أمراض الكبر والموت وعذاب القبر وحساب الآخرة..!
وهكذا يعود الرجل “الزوج” إلى مربع الخوف الأول بعد سيطرة المرأة “الزوجة” على زمام الأمور وتسلُّمها مقاليد الحكم، مُتكئةً في ذلك على حظوتها الملكية عند سَريَّة الأبناء وكتيبة الأحفاد، فيسجل الخوف أعلى مؤشرات ارتفاعه على سياج مؤسسة الزواج من جديد، وترجع كرة الخوف إلى مرمى الرجل، ليس على طريقة “بخاف عليك” – هذه المرة – بل على طريقة الخوف “العديل”، الخوف “الواحد”..!