تاريخ الشعر الغنائي سجل حالات نادرة لشعراء كانت أغنية واحدة سبباً في شهرتهم ومعرفتهم، والأستاذ الشاعر يوسف الأمين يكاد يكون واحداً منهم. حيث أن أغنيته “اتفضلي” التي تغنى بها محمود عبد العزيز كانت سبباً في شهرته، رغم أنه يملك العديد من الأغنيات ولكن ظلت اتفضلي هي باب معرفته والمؤشر الدال عليه، وصفحة (بعض الرحيق) كان لها شرف أن تكون أول صفحة فنية تحاوره حيث لم يطل من قبل في أي صحيفة.
حوار: سراج الدين مصطفى 19مارس2022م
*أستاذ يوسف أرجو أولاً أن تعرفنا بنفسك وسيرتك الذاتية؟
ـ أنا يوسف الأمين صديق من أبناء مدينة شندي، وكل الجذور من هذه المدينة التي تعلّمنا منها ومازالت تعلّمنا الكثير والى الآن ننهل منها الشعر والحُب والكلمات، فهي مدينة ذات تكوين خاص ولعل كل أهلها تقريباً لهم خاصية الإبداع ولا سيما كتابة الشعر.
*من أين ورثت كتابة الشعر؟
ـ كتابة الشعر ورثتها من الوالدة وكأنها لم ترضعني اللبن بل أرضعتني الشعر، وأنا اعتبرها كالعدوى الجميلة التي انتقلت لي منها، وفوق ذلك منطقة الجعليين غنية ومليئة بالتراث مثلها ومثل الشرق تماماً الذي أنجب أفضل الشعراء في السودان أمثال إسحق الحلنقي ومحمد عثمان كجراي وعبد الوهاب هلاوي وغيرهم من القائمة الوسيمة ولا ننسى أبو آمنة حامد وشاعر كسلا توفيق صالح جبريل صاحب كسلا جنة الإشراق.
*أنا اسأل من أثر البيئة في كتاباتك؟
ـ بالطبع البيئة لها أثر كبير وواضح، وأنا طبعاً تربّيت في كردفان وكل طفولتي كانت بها ودرست فيها المراحل الدراسية، وبيئة كردفان بطبيعتها المعروفة بالإضافة للنيل في شندي كلها أمدّتني بالتجربة.
*هنالك فوارق وجدانية ما بين كردفان وشندي والشمال عموماً؟
ـ من المؤكد هنالك فوارق كُبرى، حيث نجد طبيعة كردفان ذات الخريف والخُضرة والبقارة والعرب السيارة، فهم لهم طبيعة تكوينهم الخاصة والتي لها إسقاطاتها على شكل إبداعهم وإنتاجهم، وشندي والشمال حياة تعتمد على النيل وهي كلها تتركز على ضفاف النيل ولذلك تظل الثقافة السائدة هي النيل ثمة الموروث الشعبي المحلي، ولكني بكل صراحة أحب بيئة كردفان وتلك الأجواء الخريفية التي لها القدرة على الإلهام.
*هذا يعني أنك تحب كردفان أكثر من شندي؟
ـ أنا جزء من طفولتي كان في شندي وأيضاً كان هنالك وقتٌ أصيل وحميم قضيته في كردفان ولكن بصراحة أنا تستهويني كردفان جداً ومازالت تعشعش في الخاطر كل تلك الذكريات البهية والحاضرة التي لا تغيب مطلقاً.
*ما بين كردفان وشندي وأخيراً الخرطوم أو حياة الوسط، كيف مازجت بين كل هذه البيئات المختلفة؟
ـ الشعر يا عزيزي سراج هو فطرة وموهبة يولد بها الإنسان وهذا هو الأساس ولكن الأشياء الأخرى مثل التأثيرات البيئية والوجدانية فهذه من المكتسبات التي يطورها الإنسان من خلال الاستفادة القصوى من الموروث المتاح أمامه أو حتى ذلك الذي يبحث عنه في أماكن مختلفة، وهذا كله في الآخر يعود بالنفع على الشعر في تطوير كتابته وطرقها وأفكارها، وهذا دائماً ما تجده في أغنيات حيث تجدني دائم الذكر للخريف.
*هل تذكر أبياتاً من أول قصيدة كتبتها؟
ـ لا أذكرها والله (السكري دا مشكلة يا أخوي) والذاكرة أصبحت خربة ولا تقوى على التذكار.
*كيف تنظر لواقع الشعر الغنائي اليوم؟
ـ الكلمة الشعرية في السودان مازالت بخير وهنالك فطاحلة في مجال الكلمة المُغناة، وهذا يدعوني لأن أقول بأنّنا أفضل من العرب كثيراً من حيث المفردة الشعرية وإذا أردت أن تتحقق من صدق حديثي فتابع القنوات الفضائية وما تنشره من شعرٍ ضعيفٍ يفتقد لأبسط مقومات الشعر الجاد، ولكنهم يغطون على ذلك بالموسيقى، ولكن هنا في السودان ننافس عمالقة لهم تواريخهم وأغنياتهم وقدراتهم.
*رغم ما تقول ولكن هناك ظاهرة الأغنية الهابطة والتي هي في الأساس شعر هابط؟
ـ الأغنية الهابطة هي سبب الكساد الذي يسود الساحة الفنية، وهذا أثّر حتى على كبار الفنانين الذين أصبحوا مُتفرِّجين على ما يحدث، وهذه الظاهرة في تقديري من الصّعب مُحاربتها وحتى قانون المُصنّفات أو المهن الموسيقية لا يستطيع الوقوف أمامها فهي أصبحت قوة كاسحة تلتهم كل من يقف أمامها.
*من هو أول فنان تغنى لك بأشعارك؟
ـ أول فنان تغنى لي هو المرحوم عبد المنعم الخالدي وكان ذلك عبر أغنية “قلبي يا ريّاد”، وهي من ألحان الراحل سليمان أبو داؤود وهذه الأغنية جاءت عن طريق الصدفة ، لأنني أذكر قابلت المرحوم أبو داؤود في محطة الشهداء بأم درمان وأعطيته ثلاثة أعمال وقام بتلحينها جميعاً ولكن ظهرت فقط قلبي يا ريّاد.
*الفن في السودان وفقد الخالدي؟
ـ عبد المنعم الخالدي فقد كبير للوسط الفني والموسيقي، لأن أثره واضح وحتى هنا في دار الخرطوم جنوب فقدناه وبشدة، لأنه كان متفرداً ونسيج وحده.
*من تغنى لك بعد الخالدي؟
ـ تغنى لي الراحل علي إبراهيم اللحو وأمير حلفا ونميري حسين وشكر الله عز الدين والهادي الجبل في أغنية الزمن التاني ومحمود عبد العزيز في أغنية اتفضلي.
*أرجو أن تحدثنا قليلاً عن تجربة أغنية اتفضلي؟
ـ هذه الأغنية كانت بحوزة الموسيقار الكبير الراحل محمد وردي ولكنه لم يلحنه لأن الفترة أصبحت طويلة منذ أن استلم هذه القصيدة. والنص وصل إليه بواسطة الأخ كاميليو عازف الجيتار وحينما طالت المدة اتصلت عليه تلفونياً وسألته ولكنه قال لي بأنه لم يستلم هذا النص وأنا كنت أعتقد بأن القصيدة وصلته وحينما قلت له أريد أن أسمعك القصيدة قال لي بأنه ليس على استعداد لسماع أي شيء.
*وكيف وصل للفنان محمود عبد العزيز؟
ـ النص وصل للراحل محمود عن طريق شركة السناري للإنتاج الفني بواسطة الأخ بشير السناري والذي أعجب به وأعطاه للملحن يوسف القديل الذي قام بعد ذلك بتلحينه وخرجت اتفضلي التي سمعها جمهور عريض.
*هل كانت مرضية بالنسبة لك خاصة وأنها قصيدة كبيرة؟
ـ أنا في رأيي أصبحت أغنية جميلة ورائعة وأصبح لها جمهور عريض وكبير وأثرت في الساحة الفنية بشكل واسع وكبير.
*ما هو أثرها في مسيرة التعاون بينك ومحمود عبد العزيز؟
ـ كان أثرها في علاقتي الحميمة والجميلة مع الأخ الملحن الممتاز الراحل يوسف القديل، ولكن حظي العاثر لم يمنحني فرصة لقاء محمود عبد العزيز حتي رحيله عن الدنيا.. نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.
*من تغنى لك من مطربي شندي؟
ـ شندي آخر فنان أنتجته هو حسين شندي، وهي مدينة أصلاً بلا اتحاد للفنانين، وأنا من هنا أناشد الأخ الفنان صلاح إدريس أن يولي هذا الأمر القليل من وقته وليته تبنى دار الشفيع للآداب والفنون حتى تجمع المبدعين الواعدين وحتى يكون لنا مبدعون آخرون غير حسين شندي.