منى أبوزيد تكتب: شجارات المواسم..!
19مارس2022م
“على الدولة أن ترفع الضرائب على العزاب، فليس من العدل أن يكون بعض الناس أكثر سعادة من غيرهم”.. أوسكار وايلد..!
هل تصدق أنني، وخلال أسبوع واحد فقط، كنتُ شاهدة زور على ثلاثة شجارات زوجية بسبب “حاجات رمضان”؟. من الطبيبة التي تشارك زوجها الإنفاق على متطلبات المعيشة واحتياجات الأولاد، إلى ربة المنزل التي تفترض أن الدفع مقابل الغذاء – ودونما أي بغم – هو واجب الرجل الذي أسعده الحظ بأن تصبح هي زوجته، إلى عاملة تنظيف المنازل التي يعتقد زوجها أنّ الصرف على كل بند في حياتهما المشتركة، باستثناء سجائره ورصيد هاتفه النقال – فضلاً عن حساب ستات الشاي – هو مسؤوليتها وحدها، لأن الله شاء أن يستيقظ ذات صباح ويقرر أن يكون زوجها..!
شهادة الزور التي شاءت المُصادفة وحدها أن اقترفها ثلاثاً كانت تضامناً حَسُن النيَّة بإيماءات صامتة حيناً، وتمتمات هادئة أحياناً، مع موقف الجانب الأضعف في المعركة، وهو ضربٌ من ضروب الجودية التي يكثر شيوعها بين شهود الشجارات. إذ كلما ارتفعت أسهم أحد الطرفين على حساب منطق الآخر سارع الطرف الثالث بالوقوف إلى جانب الحلقة الأضعف، ولا ضير في أن يتحوّل بذلك إلى شاهد زُور على صحة مواقف لم تحدث أو وجود كائنات لم تخلق إذا لزم الأمر. المُهم أن يكون المُستمع دوماً محضر خير ومُحرِّضاً على الصلح، باعتبار أن الكذب على المُتخاصمين – وبحسب بعض أمهات الكتب – فعل حلال شرعاً..!
شجارات صديقاتي مع أزواجهن اختلفت باختلاف الدرجة الأكاديمية والطبقة الاجتماعية والحالة النفسية لكل زوجين، لكنها اتفقت جميعاً على أن مؤسسة الزواج في مجتمعنا لا تجيد فنون الاحتفال بالمناسبات السعيدة وتجهل خارطة الطريق إلى الفرح لأنّها مُثقلة دوماً بالأعباء المادية، ومهمومة أبداً بالاستعدادات الشكلانية لاستقبال أي مناسبة، حتى وإن كانت احتفالاً بذكرى زواج. ناهيك عن “حاجات رمضان” في بلد تجاوزت فيه الأسعار حدود الجنون..!
المناسبات الاجتماعية السعيدة في مُجتمعنا ما هي إلا مواسم للشجارات الاقتصادية التي تندلع دوماً بسبب شرارة اختلاف النوع. فمُشكلة الرجال من وجهة نظر زوجاتهم تكمن دوماً في كونهم مصابون بداء التجاهل لأهم الضرورات، بينما يكره الرجال نبرة الخطورة التي تتحدّث بها زوجاتهم عن بعض التفاصيل التي يرونها تفاهات تدخل في حكم المحظورات..!
والنتيجة عجز دائم في الميزانية بسبب انعدام الواقعية التي تشمل إلى جَانب تَطلُّب الزوجات تعسُّف الأزواج، فَضلاً عن غياب بنود المُفاجآت والكوارث عن اتفاقيات السلام الاقتصادي بين قطبي الأسرة..!
رمضان هو شهر العبادة والروحانيات الذي تكثر فيه صلة الرحم – أي نعم – لكنه أيضاً الشهر العربي الوحيد الذي يشهد أعلى معدلات شجار في مؤسسة الزواج السودانية، لأنه يمتاز عن غيره من الشهور بكونه يبدأ بحاجاته وينتهي بحاجات عيد الفطر الذي لا يكاد يمضي حتى تبدأ شجارات ما قبل العيد الكبير..!
ويبقى النكد الاقتصادي طقساً مصاحباً لمواسم الأعياد والمناسبات في معظم الأسر السودانية، حيث يُضحي لسان حال الأزواج مقولة الشاعر الألماني “هاينرش هاينة” الذي أقسم على أن موسيقى حفلات الزواج تذكره دوماً بالأنغام التي تعزف للجنود قبل خوض المعارك. فاللهم لطفك..!