تظاهرات السودان.. هل ستنتج ثورة الجياع؟!
تقرير: صلاح مختار 19مارس2022م
هل اقتربت ثورة الجياع في السودان؟ مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع.. بات الآن الجوع يُحاصر الفقراء ويمشي بين الناس في كل مكان. ربّما السيولة السياسية السودانية لم تغطِ على حوجة الناس للغذاء والمأكل لتصبح الحالة الاقتصادية هي الشرارة التي أوقدت نار الثورة. فكانت أمس مدن السودان تخرج من شدة وطأة الغلاء الفاحش ومن جور التجار لتستنجد بالشارع الذي ظل ملتهباً لأسباب سياسية, ولكن أمس كان عنوانها الغلاء وارتفاع الأسعار, بالتالي تكاملت المطالب السياسية مع الاقتصادية لتصبح عنواناً لتظاهرات السودان. إذن التظاهرات التي اندلعت بمدن السودان هل ستنتج ثورة جياع؟!!
شرارة الثورة
في الخرطوم, أطلقت قوات الأمن الغاز المُسيّل للدموع، لتفريق آلاف المتظاهرين المُناهضين للحكومة واحتجاجاً على تدهور القدرة الشرائية في عدة مدن سودانية، حيث دعت “لجان المقاومة” المحلية إلى احتجاجات للمطالبة بعودة الحكم المدني والإفراج عن المعتقلين، أطلقت الشرطة الغاز المُسيّل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى القصر الجمهوري.
وفي مدينة الدمازين، قال شهود عيان, إن قوات الأمن استخدمت الرصاص والغاز المُسيّل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين المنددين بارتفاع الأسعار, وأكد أحد شهود العيان لـ(الصيحة) خروج طلاب المدارس الثانوية وعند وصولهم لوسط المدينة انضم لهم المُواطنون رافعين شعارات (لا تعليم في وضع أليم) (ويسقط حكم العسكر).
كذا الحال في مدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور، خرجت المظاهرات يتقدمهم طلاب المدارس، ثم شارك معهم نازحون من المعسكرات القريبة من نيالا وهم يهتفون لا لحكم العسكر, منددين بتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وفي مدينة عطبرة بولاية نهر النيل, تظاهر عمال السكك الحديدية بالمدينة. وعزا مُشاركون في التظاهرات أن خروجهم نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد أن صارت لا تُطاق, واكدوا أن المدينة تعتمد على السكك الحديدية في معيشتهم, وقال عمال السكة حديد نحن نقترب من شهرين ولم نحصل على مرتباتنا. وأضافوا نُعاني من غلاء فاحش بجانب ارتفاع سعر الخُبز.
ثورة جياع!!
في السياق, جزم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف باستحالة الوضع المعيشي في البلاد مع ارتفاع أسعار الخُبز والمواصلات والمواد الغذائية الأخرى، وقال يوسف بحسب صحيفة “الحراك”, إن مليونيات شهر مارس الحالي تعبر عن ثورة الجياع، وأضاف: “الناس تأكل من وين”؟!
تظاهرات مطلبية
ويرى المحلل السياسي ابراهيم محمد آدم, أن ما يميز التظاهرات الأخيرة بأن كلها كانت مطلبية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع التضخم, مَا انعكس على الأوضاع المعيشية التي أصلاً يعاني منها المواطن, وقال لـ(الصيحة) ما يميز التظاهرات المطلبية عن غيرها أنها تجمع كل السودانيين على مختلف مشاربهم ولكن عندما تجد أرضية صالحة تكون جاذبة لكثير من الناقدين والناقمين على الحكومة. الآن الأوضاع الاقتصادية جاذبة لتحريك الشارع ومثلما كانت الأوضاع الاقتصادية واحدة من أسباب اندلاع ثورة ديسمبر وانتصارها, فإن الوضع الآن مهيأ لنفس السيناريوهات, وبالتالي اذا ما تداركت الحكومة هذا الوضع, فإن الوضع الداخلي مرشح للكثير والمُثير والخطر. وقال آدم ربما زيارة رئيس المجلس السيادي إلى الإمارات والسعودية لهذا الغرض وقف التدهور الاقتصادي, بعد أن تخلى الغرب بقيادة الولايات الأمريكية عن السودان, وأوقفت التعاون الاقتصادي بعد إجراءات 25 أكتوبر من العام الماضي.
تدخل الدولة
لم تذهب بعيداً الخبيرة الاقتصادية مي محمد عن التصور بأن أساس الحراك الجماهيري هو المطالبة بوقف التدهور الاقتصادي بالبلاد, الذي اثّر على حياة الناس. وأكدت لـ(الصيحة) أن الحكومة فشلت في مُعالجة التدهور الاقتصادي والتضخم, وبات ارتفاع الأسعار سعيراً في وجه المُواطن, الذي أصبح يقف عاجزاً من تلبية متطلباته اليومية, وقالت: كان واضحاً التأثير الكبير للأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم, ومنها السودان, ورأت ان الحكومة مُواجهة بالكثير من التحديات الناجمة عن ذلك ومنها ارتفاع الأسعار العالمية وخاصة النفط والقمح, مما ينعكس على الأوضاع المعيشية الداخلية, وأضافت: هنالك عدم فهم لسياسة التحرير التي تتبنّاها الدولة من بعض التجار وهو ما شجّع ضعاف النفوس من التلاعُب بالأسعار, ومن هنا كان لا بد للدولة أن تتدخّل لحماية الشرائح الضعيفة من جشع التجار, ونوّهت إلى أن كثيراً من الشعارات المطلبية التي رفعها المتظاهرون كانت تندِّد بارتفاع الأسعار وخروج الدولة من تنظيم السوق حتى بات مرتعاً للتجار والسماسرة الكوارث, بالتالي لا بد للحكومة ان تعي دورها تجاه المواطنين, وأن لا تكتفي بتنظيم أسواق البيع المنخفض, ولا بد من مراقبة الأسواق والتدخُّل لوقف التدهور.
مصدر قلق
ويرى الصحفي والمحلل السياسي عبد الله رزق، أن الأزمة المتمثلة في المواجهة اليومية بين الحكام العسكريين والمواطنين، والتي تخلف شهداء وجرحى، تُشكِّل مصدر قلق للآخرين في الداخل والخارج, لجهة التطورات التي يُمكن أن تنتهي إليها تلك “المواجهة غير المحسوبة”. وقال لـ(القدس العربي) إن أحد أوجه الأزمة الراهنة يتمثّل، من جهة، في عدم استطاعة السلطة الحاكمة حتى الآن إسقاط الحكومة، فيما تعجز السلطة الحاكمة عن إدارة البلاد وإيجاد حلول ناجزة لمُشكلاتها المُلحة من الجهة الأخرى، لذلك فإنّ من المتوقع أن تُبادر العديد من الجهات ذات الصلة أو ذات المصلحة، من الداخل والخارج، لتقديم مُبادرات ومشاريع حلول تتّسق مع مصالحها.
مؤشرات عالمية
إذا كان السودان يُعاني, كذلك العالم يعاني, هناك أكثر من 155 مليون شخص حول العالم يُعانون من الجوع الحاد العام الماضي، ويبدو أن الرقم في سبيله للزيادة هذا العام، بعد أن ارتفعت تكلفة الغذاء إلى أعلى مستوى خلال عقد، فهل اقتربت ثورة الجياع؟ وكان مؤشر أسعار الغذاء التابع للأمم المتحدة قد أظهر أن أسعار المواد الغذائية العالمية قد ارتفعت للشهر الـ12 على التوالي في مايو من العام الماضي بحوالي 40% على أساس سنوي، كما شهد شهر يونيو من العام الماضي أكبر ارتفاع شهري في متوسط أسعار المواد الغذائية منذ أكثر من عقد.
وبشكلٍ عامٍ يؤدي التضخُّم العالمي إلى رفع أسعار كل شيءٍ من الغذاء إلى الفولاذ والخشب والطاقة، كما ساهم الاستخدام العالي للديزل الحيوي، والزيادات في الأسعار العالمية للحوم ومُنتجات الألبان في الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء العالمية.