انخفاض التضخم.. الواقع يقول بغير ذلك
الخرطوم: الطيب محمد خير 18مارس2022م
حذر برنامج الغذاء العالمي من أن نصف سكان السودان، أي ما يوازي عشرين مليون مواطن سيواجهون شبح المجاعة هذا العام، بسبب عجز الدولة عن استيراد وتوفير المواد الغذائية الاساسية لمواطنيها بسبب النقص الحاد في العملات الأجنبية، وتجئ هذه التحذيرات متزامنة مع بيانات للجهاز المركزي للإحصاء أظهرت انخفاضاً طفيفاً في معدل التضخم خلال فبراير سجل 258.40% مُقارنةً بـ259.79 لشهر يناير، بانخفاض طفيف قدره 1.39 نقطة. ويرى مراقبون إعلان الجهاز المركزي للإحصاء، عن انخفاض معدل التضخم يتناقض مع موجة الارتفاع الحاد التي ضربت أسواق السلع الاستهلاكية الأساسية الغذائية والمحروقات والاحتياجات الأخرى غير الأساسية, وتفاقمت بعد قرار بنك السودان المركزي بتعويم الجنيه للمرة الثانية في أقل من عام، وخلافاً للمرة الاولى الذي امتنع فيه البنك المركزي عن إعلان سعر تأشيري للدولار الأمريكي تاركاً تحديد السعر للسوق الموازي والبنوك والصرافات مما أشعل المنافسة بينها، حيث تفوق السوق الموازي في الأسعار بتقديمه أسعاراً أعلى من أسعار البنوك، ما ادى لهبوط مريع في قيمة الجنيه السوداني الذي نجم عنه انفلاتٌ في اسعار السلع الغذائية الأساسية التي اصبح السواد الأعظم من المواطنين عاجزين عن شرائها، حيث قفز سعر قطعة الخبز الواحدة الى 50 جنيهاً وكليو السكر 700 جنيه ورطل زيت الطعام الى 800 جنيه، فيما بلغ ربع القمح 4000 جنيه وعجزت العديد من الأسر عن توفير وجبة واحدة لأبنائها.
في ظل استمرار الصُّعود المُتواصل لأسعار السلع الرئيسية بصورة منفلتة وعجز قطاع واسع من المُواطنين عن الحصول وجبة واحدة في اليوم، دفع برنامج الغذاء العالمي برسالة تحذيرية مفادها ان ما يقرب من نصف سكان السودان سيواجهون الجوع هذا العام.
توفير السلع
وقالت نائب المدير القطري في السودان لبرنامج الأغذية العالمي ماريين وورد، ان معظم السودانيين عاجزون عن توفير السلع الأساسية لسلة الطعام، بسبب ارتفاع سعر الصرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني، ما جعل الدولة عاجزة عن استيراد وتوفير المواد الغذائية لمواطنيها بسبب النقص الحاد في العملات الأجنبية الذي تعاني منه الدولة في مقابل تفاقم ارتفاع أسعار الحبوب عالميا نتيجة اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي ستدفع السودان الذي يعتمد على روسيا وأوكرانيا في واردات القمح إلى البحث عن سوق بديل ودفع أسعار عالية.
فيما قال رئيس مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة القرآن الكريم بروفيسور حسن محمد ماشا لـ(الصيحة): هذه ليست قراءة صحيحة لمؤشرات التضخم قياساً بانخفاض اسعار السلع التي تُخضع لزيادة العرض وقلة الطلب في موسم الإنتاج، فانخفاض التضخم بهذه النسبة البسيطة ، لأن هناك نسبة من المواطنين لديها مال ومقبلة على سلع بعينها ويمكنهم الشراء دون التأثر بغلاء الأسعار، لكن يجب القياس على نسبة الـ(80%) من سكان السودان العاجزين عن توفير السلع الأساسية التي توفر لهم سعرات غذائية بالمعايير العالمي فهذه هي النسبة، ويرى حديث برنامج الغذاء عن عجز الدولة في توفير السلع الأساسية لمواطنيها لا يتماشى مع الواقع على الأرض لأن الدولة رفعت يدها عن دعم كافة السلع الأساسية، وفي نفس الوقت يمثل مناشدة للدولة وتنبيهاً بأن تدخل الدولة كمشترٍ خاصة سلعة القمح كمخزون استراتيجي تحوطاً للارتفاع المتسارع الذي يشهده السوق العالمي، الذي بالتأكيد سيوسع من دائرة الأسرة العاجزة عن شراء السلع الأساسية وتحديداً الخبز.
محمل الجد
وشدد بروفيسور ماشا على ضرورة أن تأخذ الدولة تحذيرات برنامج الغذاء محمل وتعمل على وضع احتياطي من الإنتاج المحلي لمواجهة ازمة غلاء الغذاء المتوقعة في السوق العالمي بسبب الحرب الأوكرانية الروسية ويُمكن أن تحقق اكتفاءً ذاتياً من الإنتاج المحلي في السكر والقمح والزيوت وكثير من السلع مع الوضع في الاعتبار مواجهة او تقليل ارتفاع معدلات الفقر في السودان التي وصلت الى (80%) التي تشمل كل الأسر التي تعتمد في دخلها على الرواتب، فعلى الدولة أن تتحوط ألا ستكون مواجهة بثورة جياع، مشدداً على ضرورة أن تعيد الدولة في قرار رفع يدعها عن دعم السلع الأساسية (الدواء وغاز الطبخ والدقيق والسكر والزيوت وغيرها) ويتم توفيرها للأسر ذات الدخل المتدني (ولا اقول المحدود لأن هذه الطبقة تلاشت) عبر الجمعيات التعاونية، مشيراً الى أن أسعار الخبز شهدت زيادة كبيرة غير مبررة بما يجعلنا نتساءل عن منحة القمح الروسية 25 ألف طن مجاناً اين وكيف وُزِّعت ومن المستفيد.
وأكد بروفيسور ماشا أن على ضرورة ان يقلل السودان من اعتماده على الخارج في ظل الوضع المتوتر الآن من خلال الاستغلال الجيد لموارده بما يجعله مكتفياً ذاتياً ولا يحتاج لاستيراد أي سعلة من الخارج، واسترجع لكن سوء إدارة الموارد هو الذي أقعد الدولة.
درجة واقعية
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة أفريقيا العالمية د. يوسف خميس أبو رفاس لـ(الصيحة)، إن تحذيرات برنامج الغذاء العالمي من أن نصف سكان السودان سيواجهون المجاعة خلال هذا العام فيه درجة من الواقعية بإمكانية حدوث هذا النقص في الغذاء، لا أتوقع أن يتأثر به سكان الشمالية والجزيرة لأنهم منتجون لهذه السلعة، لكن سكان السودان الذين يعتمدون في غذائهم على القمح وفي نفس الوقت لا ينتجونه هؤلاء هم الذين سيواجهون إشكالية في الحصول عليه بسبب ارتفاع اسعاره عالمياً وهم نسبة كبيرة من سكان السودان.
وأشار د. أبو رفاس ان ثأثير ارتفاع اسعار القمح وكذا السلع الاساسية الأخرى سيكون اكبر على شريحة المواطنين الذي يعتمدون في دخلهم على المرتبات، لكن الذين يعملون في القطاع الخاص التقليدي خاصة اصحاب المهن هؤلاء لن يتأثروا لأنهم سيكيّفون دخلهم ليغطي كثيرا من التكاليف المصاحبة لهذه الزيادات.
الثقافة الغذائية
وأضاف د. أبو رفاس أن اللافت في السنوات الاخيرة، هناك تغيير في الثقافة الغذائية حدث العديد من السكان خاصةً في المناطق الريفية، فأصبحوا يعتمدون في غذائهم على البدائل من الحبوب المنتجة محلياً (الذرة والدخن)، التأثير سيكون أكبر على سكان المدن لاعتمادهم في غذائهم على القمح فهؤلاء يمكن أيضاً ان يتحوّلوا للاعتماد على المنتجات الملحية البديلة للقمح في غذائهم لمواجهة الزيادات الكبيرة لأسعار القمح في السوق العالمي، وعلى الدولة أن تشجع هؤلاء لتغيير ثقافتهم الغذائية، ولا سيما أن إنتاج الذرة والدخن في الموسم الزراعي الصيفي الماضي كانت بنسبة عالية، وتوقع د. أبو رفاس عدم حدوث مجاعة في السودان حسب تحذيرات الفاو حال تشجيع الدولة المواطن للجوء للبدائل. واعتبر د. أبو رفاس الحديث عن انخفاض التضخم بأنه استهلاكٌ سياسيٌّ لأنه يخالف الواقع في السوق الذي يشهد معدل زيادة مضطردة في سعر كل السلع وفي نفس الوقت يُعلن عن انخفاض التضخم، فهذا حديثٌ مُتناقضٌ لا يستقيم علمياً.