18مارس2022م
مضى عام منذ تعيين دكتور جبريل ابراهيم وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني، وبنظرة موضوعية لتقييم ما قام به في هذا العام، نرى أنه قد فعل ما كان يعتبر مستحيلا، سياسات قوية جداً وضعت الاقتصاد السوداني في مساره الصحيح ولو لا تلك السياسات لحدث انهيار اقتصادي وتشير مؤشرات الاداء الاقتصادي أن الامور تسير إلى الاحسن خاصة بعد انخفاض معدلات التضخم إلى 259% في يناير الماضي مقارنة بــ319% في ديسمبر الماضي.
ان القرارات التي اتخذها دكتور وتحمّل مسؤوليتها بشجاعة تعتبر قرارات مؤلمة وجراحات عميقة لكن كان لا بد من علاج المعضلة الاقتصادية وقد تمثلت تلك القرارات في تحرير سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الحرة في فبراير 2021 وتحرير اسعار الوقود في يونيو 2021 وتحرير سعر صرف الدولار الجمركي بنهاية يونيو ومن نتائجها انسياب اكثر من 700 مليون دولار من تحويلات المغتربين عبر الجهاز المصرفي في ستة اشهر ولاول مرة يتم تمويل بنود الموازنة المعدلة لسنة 2021 بإيرادات حقيقية وكلها امور أدت إلى السير في انخفاض معدلات التضخم على الرغم مما قام به دكتور جبريل، إلا ان هناك المزيد من الإجراءات التي يجب اتخاذها من هذه الاجراءات انه لا بد من معالجة فتح باب الاستيراد على مصراعيه وهي سياسة يفضلها بعض المسؤولين بوزارة المالية لزيادة الايرادات الضريبية والجمركية ونعتقد ان من الافضل المحافظة على موارد البلاد من العملات الحرة بدلاً من استنزافها في استيراد الكماليات من اجل زيادة الايرادات.
إذ انها مثل سياسة الدب الاقتصادية، ففي القصة الشهيرة للدب الذي قتل سيده يحكى ان الدب اراد انقاذ سيده من حشرة حطت على رأسه فضربه بصخرة قاصداً قتل تلك الحشرة، من الأفضل التمويل بالعجز والاستدانة من الجهاز المصرفي بدلا من فتح باب الاستيراد طالما عملنا للمحافظة على قوة العملة السودانية، أن تبدد عملة حرة تحتاجها لاستيراد الضروريات من اجل زيادة الايرادات المحلية أليس هذه سياسة دبية؟
كما نتطلع ان يقوم وزير المالية والاقتصاد الوطني بتجميد عضوية السودان في منطقة الكوميسا ومنظمتها التي استغلها المصريون الذين يبعدون آلاف الاميال من منطقة الكوميسا وادخلهم السودان في تلك المنظمة باعتبارهم دولة جوار لدولة عضو للكوميسا ليستنفذوا السودان بالإعفاءات الجمركية ويغرقونه بالسلع.
الأمر الآخر في هذا السياق وفقاً لاقتصاديات الرفاهية، يفترض لمن اعتادوا السفر للخارج ان يقوموا بتعويض بقية المواطنين لما يقومون به من إنفاق للعملات الحرة، في هذا الصدد لا بد من فرض رسوم تعويضية على الذين يسافرون إلى الخارج بمعدل 50 دولارا للسفرية تحصل بالعملة الحرة وتنفق تلك المبالغ في دعم الخدمات الطبية وتوطين العلاج بالداخل حيث تغادر يومياً عشرات البصات ومثلها من الطائرات إلى مصر ودبي والهند وتركيا محملة بالدولارات والذهب.
ان مسألة فرض ضريبة على الثروة على الذين اثروا خلال الثلاثين عاماً الماضية لأسباب مختلفة يعتبر امراً ضرورياً لا بد من فرض ضريبة ثروة تفرض كل خمس سنوات بعد تقدير الثروات للاشخاص الاعتباريين والطبيعيين بمقدار 20% من شرائح الثروة التي تزيد عن 2 مليون دولار تقدر وتحصل كل خمس سنوات على اقساط بغرض تحقيق العدالة والعمل على إعادة توزيع الدخول في المجتمع.
أمرٌ آخر لا بد من الاشارة إليه وهو موضوع الصادرات السودانية، إذ تتميّز الصادرات بالجودة وليس لها بديل قريب أي أنها قليلة المرونة على الرغم من أنها صادرات تقليدية معظمها من الموارد الطبيعية كالقطاع الزراعي والصمغ العربي، تعتبر الصادرات السودانية من القطاعات التي لا تساهم في الضرائب بشيء يذكر، لذلك نقترح فرض ضريبة جمركية على الصادرات السودانية بنسبة 10% وان عدم فرض ضرائب جمركية عليها يعني كما لو اننا ندعم الدول المستوردة، تعتبر مرحلة الصادرات من المراحل المهمة جداً لتحصيل الضريبة التي ترتد لاحقاً للمنتجين الذين لا يُساهمون في دفعها ومع ذلك يستفيدون من موارد البلاد من مزارع ومراعٍ وصمغ عربي، علاوة على ذلك يجب الزام المصدر بسداد 15% من حصيلة الصادر مقدماً بالعُملة الحُرّة.
ان هذه السياسات التي ذكرناها تعتبر تكميلية لكنها ضرورية لدعم السياسات السابقة، خلاصة ما نرمي ونتطلع إليه في هذا المقال هو ضرورة ترشيد الاستيراد من الخارج وتجميد عضوية السودان في الكوميسا وفرض رسوم تعويضية على المُسافرين للخارج وضريبة على الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية.