فاطمة لقاوة تكتب: مأساة أبيي وطُرق الحلول الناجعة
أبيي قضية صراع سياسي ممتد ذو تقاطعات إقليمية ودولية حول الموارد، انعكس سِلباً على إنسان المنطقة، وقد زادت مُعاناة المجتمعات المحلية في المنطقة- (المسيرية ودينكا نقوك)- بعد صفقة لاهاي السياسية المخجلة التي تمّت بين حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم وبين ممثلي الحركة الشعبية في جوبا.
ظلّت قضية أبيي تؤرق حكومتي الدولتين- حكومة الخرطوم التي تّعاني الأزمات الداخلية الآن وحكومة جوبا التي تعيش فوق أتون الصراعات والإقتتال القبلي في مناطق متعددة- مما يستوجب على الجميع التفكير خارج صندوق الصفقات السياسية، لتأسيس رؤية ممنهجة تُساهم في إخراج قضية أبيي من عُنق زجاجة الصراعات إلى رحاب التوافق والتفاهمات التي تراعي مصالح المجتمعات المحلية وتخدم أهداف المصالح العُليا للدولتين دون هضم الحقوق التاريخية للجميع.
ظلّت حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم تُدير قضية أبيي عبر التزحلق السياسي دون منهجية واضحة، وقد ارتبط اسم (إشرافية أبيي المشتركة) في مخيلة الجميع بالمنفعة الفردية دون النظرة الكلية لقضية أبيي القومية المرتبطة بالمصلحة العُليا للدولة السودانية، مما خلق نوعاً من الصراعات حول الامتيازات بين أبناء المنطقة، أما أبناء دينكا نقوك صقور الحركة الشعبية! ينظرون إلى أبيي!! تلك الدجاجة التي تبيض ذهباً، والمحافظة على ضبط بوصلة الصراع المستمر حول أبيي يضمن بقاءهم في مواقعهم القيادية في حكومة جوبا، لذلك دوماً ما يسعى دينق ألور ومجموعته إلى خلق المتاريس التي تعيق تحقيق السلام المجتمعي بين مكونات المنطقة، عبر الفلسفات التي تتخلل اطروحة مبادراته المُزمعة التي يطلقها من أجل حل قضية أبيي وفي طياتها يبث سموم النقاط الخلافية التي تُباعد المسافات بين الدولتين في القضية، بينما ينظر المجتمع الدولي إلى أبيي تلك البقعة الغنية بالنفط والموارد الاقتصادية الأخرى والتي يجب إبقاؤها مستودعاً ومخزوناً استراتيجياً وإلهاء الدولتين عنها عبر زرع بؤر خلافات وسط المجتمعات وتذكية الصراعات المسلحة بين القبائل المحلية خدمة للتقاطعات الإقليمية والمحلية في المنطقة.
صحيح أن المشهد السياسي السوداني ما بعد سقوط الإنقاذ ظل متعثر الخُطى إلّا أن قضية أبيي قد شهدت تغيرات حقيقية بدأت بتغيير القيادات وفصل المهام وتوزيعها بصورة قد تقود إلى توجيه بوصلة القضية نحو الإتجاه الصحيح إذا تكاملت الأدوار ما بين الإشرافية المشتركة التي مقرها الأساسي في الخرطوم والمنوط بها الإشراف العام والإدارية التي يجب أن يذهب رئيسها وطاقمه إلى مباشرة عملهم في أرض الواقع وسط المجتمعات في المنطقة من أجل تحقيق التنمية بمفهومها الشامل الكامل والتي يجب أن تكون وفق الشروط والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بمورد البترول القومي، بجانب صندوق التنمية الذي يُعزِّز دور الإدارية ويساهم معها جنباً إلى جنب في تنفيذ الخدمات التنموية النوعية التي تُخفف معاناة المجتمعات المحلية وتُحفِّز على الاستقرار.
تعودنا التفاؤل بحذر تجاه السياسات المركزية التي تتعلق بأبيي، والخوف من استمرار التلاعب بمستقبل وتاريخ المجتمعات المحلية في المنطقة، أمام تمسّك جوبا بابقاء صقور وديناصورات دينكا نقوك في الحركة الشعبية على قيادة وإدارة ملف أبيي، رغم تخلص الخرطوم من كباتن المسيرية، إلا أننا بدأنا نستبشر بصيص أمل ببزوغ فجر حلول جديدة ناجعة قد يطل علينا قريباً إذا تكاملت الأدوار ما بين رئاسة الإشرافية المشتركة، وإدارة الإدارية، ومسؤولي صندوق التنمية من أجل خلق واقع جديد يُساهم في إحداث تحول مجتمعي حقيقي يدعم القيادة السياسية العُليا في الدولة السودانية التي تتولى إدارة ملف قضية أبيي.
ستبقى مأساة أبيي قائمة ما لم تنهض المجتمعات المحلية وتسعى للتوافق بينها وإيجاد طريق أمل يقود إلى حلول تُطرح من قبل الناشطين والمفكرين من أبناء مجتمعات المسيرية ودينكا نقوك تدعم وتعزِّز سُبل الحلول الناجعة التي يمكن أن تتبنّاها الدولتان من أجل تخفيف مأساة أبيي.