معروف بأنه واضح وزول نصيحة صلاح بن البادية: أبو داؤود كان يحب الطعام وحمد الريح يضحك لأقل نكتة وسيد خليفة قلبه طيب لا يقبل النقد مطلقاً
مرجع مهم:
صلاح بن البادية ظل يشكل ركيزة فنية للكثير من الفنانين الشباب والناشئين، ومرجعاً لهم لأنه يتميز بتجربة غنائية ولحنية متفردة. وهو “قامة فارعة متعددة المواهب، أسهم كثيراً في مُحاولات نقل الأغنية السودانية إلى النطاق الإقليمي.. جسّد المعنى الكامل للفنان الإنسان، وهو ما جعله يسيطر بسرعة على وجدان الشعب السوداني شيباً وشباباً.
معاني الجمال الإنساني:
وأثار نبأ وفاته كثيراً من الحزن والأسى لدى عامة السودانيين، فمثلما عشقه الشباب الذين خاطب وجدانهم بالكثير من الأغنيات الخالدة، فهو أيضاً الفنان المُفضّل للكبار الذين عاصروا انطلاقته الفنية في منتصف خمسينيات القرن الماضي.. بالكثير من الحسرة، يقول الشاعر والأديب كامل عبد الماجد “إن مسيرة ابن البادية كانت غنية بكل معاني الجمال الإنساني، فهو فنان متكامل يغني ويمدح وينشد ويحمل بداخله عفوية وصدفا وتواضع ابن القرية الذي دخل إلى المدينة من الباب الواسع واكتسبت أغانيه الرائعة شهرة كبيرة على المستويين المحلي والإقليمي، حيث كوّن قاعدة كبيرة من المُستمعين في إثيوبيا ونيجيريا وتشاد وإريتريا وبعض البلدان العربية”.
البيئة الصوفية:
ويشير كامل عبد الماجد إلى أنّ السر في تألق ابن البادية رغم بلوغه الثانية والثمانين هو احترامه لفنه وتمتعه ببعد إنساني وأخلاقي استمده من البيئة الصوفية السمحة التي نشأ وترعرع فيها.. وتابع: “فقرية أبو قرون التي ولد وترعرع فيها والقريبة من الخرطوم ظلت لعقود طويلة من الزمان مرتعاً للإبداع الصوفي والشعري وتتّصل جغرافياً وروحياً بقرى أخرى أنجبت العديد من المبدعين مثل الشاعر الصادق الياس الذي كتب العديد من روائع ابن البادية، كما أنجبت تلك القُرى فنانين من الطراز الرفيع مثل الراحلين سيد خليفة وأحمد المصطفى وغيرهما”.
نموذج باذخ:
الفنان الكبير صلاح بن البادية .. واحدٌ من الذين أثروا وجدان الشعب السوداني بالغناء الجميل المعافي من أي مرض أو هزال .. ظل نموذجاً باذخاً للفنان الملتزم بخلقه ودينه .. فهو أيضاً عرف بوضوحه الشديد ولا يتورع من قول رأيه في أي شيء وبمنتهي الوضوح .. عايش فناننا الكبير صلاح بن البادية العديد من الشخصيات واقترب من الكثير منهم .. وفي هذه المساحة نتوقف عند بعض مما قاله عن بعض كبار الشخصيات.
الفنان عبد العزيز محمد داؤود:
ضخم الجسم، ضخم الصوت ومع ذلك لا يمله السامع، يحفظ أغاني الحقيبة بإجادة وتمكن، عمل ثنائياً مع الملحن (برعي دفع الله) طيِّب المعشر، واضحٌ، بشوشٌ، مرحٌ، يطلق النكات على زملائه، لا يترك لحظة إلا ويطلق فيها النكتة، كان يحب الطعام وخاصة اللحوم واشتهر بأنه يأكل خروفاً كاملاً وحده، في رحلة فنية للصومال كنا في عربة مكشوفة لتحية الجماهير التي استقبلتنا بالزهور، فلمح عبد العزيز قطيعاً من الأغنام تجري خوفاً من صوت السيارة فقال (إنتو قايلين الخرفان ديك جارين من صوت العربية؟ أبداً ديل شافوني أنا طبعاً الماكل عمو، والماكل جده أو حبوبته أو أخته) فضحك كل من بالسيارة، كان لا يهتم بالهندام ويعشق ارتداء الجلابية والعباءة واللبسة الاشتراكية وملابس الأفارقة، كان مادحاً يحفظ كثيرا من شعر عمر بن الفارض.
الفنان حمد الريح:
رافقته في كثير من الرحلات الفنية داخل وخارج السودان، يضحك لأقل قفشة حتى تسيل دموعه، شجاع، كريم، لا يخاف، دائم القلق قبل صعوده للمسرح، صوته قوي عذب، طيب لدرجة السذاجة، حاد الطباع، عنيد، رياضي، يقبل بالقليل (قنوع). كثير التمني، قليل العمل غير طماع، ولكنه لا يترك حقه حتى ولو صعد الموضوع للمسؤولين وللصحافة، إذا كتبت سطراً واحداً نقداً فيه يرد عليك من خلال الإذاعة والتلفزيون والجرائد، مثقف لبق، طلب مني بتواضع أن ألحن له أغنية (طير الرهو) من كلمات (إسماعيل حسن) وأخذت شهرتها بحمد الله داخل وخارج السودان.
الفنان سيد خليفة:
عرفته (ود قبائل) ذو حساسية مفرطة، سريع البديهة، جريء، يحب النجاح، يغضب إذا لم تتجاوب الجماهير مع غنائه. ويلقي اللوم على العازفين بأنهم غير مُخلصين له، غيور يحب النكتة، قلبه طيب، لا يقبل النقد مُطلقاً، يعشق كل جميل في الملابس والمسكن والسيارة، حاد الطبع، قلق، متمرد، دائم الشكوى من التعب ونزلات البرد والملاريا إذا صادف وحضر للمسرح ووجد هناك أحد الفنانين متأنقاً ببدلة وكرافتة ومظهره جميلٌ، فإنه يرجع سريعاً لمنزله ويغير ملابسه لأحسن ما عنده ويحضر للحفل، وعند صُعُوده للمسرح ينسى كل آلامه وتعبه ومرضه ويسعد جماهيره ويمتعهم وتجده عرقاناً ومُتعباً ومجهداً ومتحركاً على المسرح، ولقد تعلّمت من ألحانه وكنت أردد كثيراً أنشودة (الجن) في الحفلات الخاصة في أمسية كل خميس بعد أول كل شهر.