تاني انقلاب؟
ما تردّد أمس عن إحباط محاولة انقلابية، لم يكن مستبعداً، في ظل حالة التنافُر والتشاكُس التي تسود العلاقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
كثير من المحللين والمراقبين كانوا يتوقعون حدوث محاولة انقلابية، لكنهم يفشلون في الإجابة عن مَن الذي يقوم بالانقلاب في ظل الوضع الراهن.
المجلس العسكري فور تسلمه السلطة أصدر عدداً من القرارات أعفى بموجبها عدداً من القيادات الرفيعة في الأجهزة النظامية المختلفة، الأمن والشرطة والجيش، وتلاها بقرارات أخرى شملت أيضا رتباً رفيعة ووسيطة ورتب أقل الرائد، معظم تلك القرارات كان الهدف منها، إبعاد أي من له علاقة بالنظام السابق، ليس الخوف من ان يقوم بعملية انقلابية، وإنما لا يريد المجلس العسكري أن يكون حاضنة لضباط موالين للنظام السابق، وحينها يتهم بأنه جزء من النظام السابق.
فالحديث عن محاولة انقلابية على المجلس العسكري إن صح في الوقت الراهن، أي بعد وساطة الرئيس الأثيوبي والتي أفضت إلى استئناف التفاوض، تكون انتحاراً ليس إلا، لأن الانقلابات عادة ما تأتي حينما ينسد الأفق السياسي، أو تكون هناك أزمات اقتصادية خانقة، أو حينما يحدث إقصاء من جهة لأخرى.
فالآن الافق السياسي ليس مسدوداً، صحيح أن هناك جفوة بين المجلس العسكري وقوى التغيير، ولكن أعتقد أن باب التفاوض مفتوح، وليست هناك أزمة اقتصادية خانقة تقود لعمل انقلاب، فطالما الأمر كذلك أعتقد أن الحديث عن انقلاب لا يعدو أن يكون في طور الفكرة، أو إن تعداها في طور الاتصالات الأولية والمشاورات.
هناك عامل مهم جداً ولاعب أساسي في أي عملية انقلابية في الوقت الراهن، وهو موقف الدعم السريع، وأهمية تلك القوة، يبدو واضحاً، في الثورة الحالية، فكل القوات النظامية كانت تنظر لموقف الدعم السريع بريبة وتوجّس، قبل أن تستشِف موقفها والذي أكد دعمه وتأييده للثورة، وهو ما عجّل بوتيرة التغيير. فأي عملية انقلابية إن لم تضمن وجود الدعم السريع بجانبها ستكون النتيجة خسارة لا محالة.
إن الثورة التي تحققت مؤخراً، يجب أن تكون هادية للجميع، ومدخلاً للاستقرار والأمن في السودان، بعد كثير من العهود الانقلابية، فيجب على أي جهة أن تؤسس لعمل ديمقراطي يُجنّب البلاد كافة أنواع الانقسام والتشظّي، وعلينا أن نستدرك التاريخ والماضي ونستصحبه حتى لا نرجع للمربع الأول، ما تحقق في هذه الثورة يجب البناء عليه لا هدمه، والبدايات الصحيحة تقود لنهايات صحيحة.
نأمل أن لا نكرر التجارب الفاشلة السابقة في الإقصاء والتشفّي و(فش الغبينة)، يجب أن نضع السودان وأمنه وأهله الطيبين في المقام الذي يستحقونه، بدلاً من الانتصار للذات.