سكر رمضان.. إنتاجٌ مُتراجعٌ وأسعارٌ مُتزايدةٌ
الخرطوم: جمعة عبد الله 13مارس 2022م
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتصدر سلعة السكر قائمة أولويات المواطن الضرورية اليومية، وبصرف النظر عن السعر الذي يفرضه الواقع لهذه السلعة المُهمّة، وبلا شك ذلك هو الأمر الذي يشتكي منه المواطنون، في الوقت الذي عبر فيه خبراء ومختصون ومراقبون لـ”الصيحة” عن أسباب ارتفاع أسعار السكر في مثل هذا التوقيت مع قدوم شهر رمضان الفضيل، وأشار حديثهم إلى جشع بعض التجار باعتبار أن الجميع في حاجة إلى سلعة السكر.
أسباب الارتفاع
فيما يعتبر مهتمون بالشأن الاقتصادي أن هناك تسيباً وإهمالاً واضحاً وعدم اهتمام بمعاش الناس من قِبل الجهات المُختصة، مُضيفين أنه السبب وراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، إضافة إلى بروز الوسطاء والسماسرة، كما أشاروا إلى أن الفوضى العارمة في السوق من تحرير الأسعار سبب في ذلك، إلى جانب عدم وجود القطاع التعاوني الذي ينافس الخاص، كما ارجعوا ارتفاع سعر السكر إلى استهلاك كمية كبيرة في موسم رمضان مع غياب بدائل أخرى.
احتكار السكر
وكان مدير عام شركة السكر السودانية، إبراهيم علي الزين، كشف عن تحديد الشركة لتسعيرة السكر للموسم الحالي بمبلغ (20,50) ألف جنيه للجوال، وتوقع انخفاض إنتاج السكر لموسم 2021- 2022م، وقال الزين بحسب مصادر صحفية، إن هناك تراجعا كبيرا في الإنتاج لهذا العام لأكثر من 50%، متوقعا أن يصل الإنتاج لهذا الموسم لـ(24) ألف طن مقارنة بـ(53) ألف طن للعام الماضي، وأن احتياطي سلعة السكر يبلغ (60) ألف طن، وكشف عن وجود كميات كبيرة من السكر بالسوق، مؤكداً عدم وجود فجوة في السكر، ووصف أسعار السكر بالسوق بأنها غير منطقية، نافياً أن يكون للشركة يد احتكار السكر، وقال إن الذين يسيطرون على سلعة السكر بالسوق هم المستوردون وليس الشركة، لأنهم يستوردون ما يقارب مليوني طن سنوياً.
ضعف ميزانيات
وفي الأسبوع الماضي، كشفت مصادر صحفية عن انخراط مديري مصانع السكر في اجتماعات مغلقة مع مدير شركة السكر السودانية بالخرطوم لبحث الإشكالات التي يُعاني منها القطاع خلال الفترة الماضية، وكشف تحقيق لذات المصادر عن أن ضعف إنتاج السكر سببه ضعف الميزانيات، إضافةً إلى فشل بعض المصانع في نقل محصول القصب للمطاحن لعدم توفير الوقود، فضلاً عن عدم مُزاولة الموظفين لمهامهم بشكل يومي لضعف الإنتاج والرواتب.
تخفيف معاناة
وقال الموظف بإحدى الشركات الخاصة، محمد المصطفى، إن أسعار سلعة السكر في تذبذب مستمر، مضيفاً أنّ سعره في هذه الأيام مرتفع خاصة في البقالات الموجودة في الأحياء، ويرى أن زيادة الأسعار هذه الأيام مستمرة في كل شيء، خاصة في الوقود الذي يزيد في الشهر أكثر من مرتين، وحذر من عواقب وخيمة إذا استمر الحال كما هو عليه، وقال إن شهر رمضان على الأبواب وسلعة مثل السكر يجب أن تكون في مُتناول يد المواطن، وتابع: السكر من الأولويات للناس في رمضان، ونادى الجهات المعنية بضرورة النظر في هذا الأمر لتخفيف المعاناة عن المواطنين.
تكاليف ترحيل
ونفى أحد التجار بالسوق المحلي، ياسر عثمان، وجود أي نوع من احتكار السكر، وقال إن سبب الزيادات في اسعار السلع يرجع إلى زيادة تكاليف إنتاجها، وكذلك ارتفاع تكاليف الترحيل بسبب زيادة أسعار الوقود، وأضاف بأن إقبال المواطنين على الشراء ضعيفٌ جداً، موضحاً أن شهر رمضان على الأبواب وليس هناك بشريات للإصلاح خاصة في السلع الغذائية الأساسية، وبرر ذلك بسبب انفلات سعر الدولار، نافيا وجود أي أمل في ثبات سعره.
غياب الرقابة
وأرجع الباحث والمحلل الاقتصادي د. أزهري بشير، تفاقم مشكلة زيارة الأسعار إلى غياب الرقابة الحكومة، وقال إن المحليات أصبح دورها مقتصراً على الجبايات والمخالفات، مضيفاً أنّ هُناك تسيُّباً وإهمالاً واضحاً، بل عدم الاهتمام بأمر معاش الناس، إضافةً إلى جهل المواطن بالقانون، إلى جانب بروز الوسطاء في السوق (السماسرة)، وأشار إلى أن كل ذلك ساهم في هذا الخلل والتسيب، ونوه إلى أن السودان به أكثر وأكبر مصانع سكر، وعلى الرغم من ذلك هنالك سكر مستورد، قاطعاً أنه أثر سلباً على المواطن، الذي أصبح يتحمّل عبء كل الأزمات.
احتكارٌ ومضارباتٌ
وأوضح القيادي بالحرية والتغيير، عضو قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي ومسؤول تنظيمات دارفور، شمس الدين أحمد صالح، أن بعد حقبة 25 أكتوبر عاد كل الظالمين إلى مفاصل الاقتصاد السوداني من سماسرة الأسود والمحتكرين والمضاربين في السلعة الأساسية والاستراتيجية، وقال إن من ضمن هذا السلع، سلعة السكر الاستراتيجية، ويرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى ارتفاع سلعة السكر وذلك من خلال تقرير مدير عام شركة السكر السودانية محمد إبراهيم، وتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في مقبل الأيام.
مُسبِّبات الأزمة
ويُشير إلى أن من أولى هذه الأسباب الفوضى العارمة في السوق من تحرير الأسعار وعدم وجود قانون ينظم الأسعار أو التسعيرة المعقولة للسلعة الأساسية، إضافة إلى عدم وجود القطاع التعاوني الذي يمكن أن يكون منافسا للقطاع الخاص، إلى جانب فشل تجربة السلعة الاستراتيجية أو البيع المخفض، وقال خاصة بعد عودة عمالقة السوق الأسود وتجار العملة إلى السوق بعد 25 أكتوبر دون خوف، مُعتبراً أن تحرير الأسعار والفوضى والجشع هو عملية استعباد الأمة أو الشعب جميعاً، مؤكداً أنه ما كان يمارسه بعض التجار والموظفين الذين يخلطون ما بين السياسة والتجارة.
قلة الإنتاج
ويُبيِّن شمس الدين أن السبب الثاني هو قلة الإنتاج، كما أشار إليه مدير الشركة السودانية، وقال حتى لو لم يحدّد الأسباب التي تقف وراء تخفيض الإنتاج إلى أقل من النصف بقليل مقارنة بالإنتاج في أعوام سابقة، معتقداً أنّ تكلفة مدخلات الإنتاج أحد الأسباب الرئيسية التي تكمن في زيادة رواتب العمال الدائمين أو الموسميين، وذلك بسبب تدني قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الصعبة، وتوقع أن يؤثر ذلك بدوره على المدخلات الأخرى للإنتاج وعلى السكر المستورد، وبرر ذلك لأن الدولة تستورد بالعملة الصعبة خاصة بعد عودة السوق الأسود للعملة الصعبة للسيطرة على حركة النقد الأجنبي بدلا من بنك المركزي كما كان الحال في السنة الأخيرة لحكومة الشعب الانتقالية، والتي أحدث استقرارا نسبيا لفترة طويلة في سعر الصرف للدولار.
ويلفت شمس الدين إلى أن هناك عاملا ثالثا يكمن في موسم رمضان الذي يستهلك فيه كميات كبيرة من السكر مع غياب بدائل أخرى، مثل سكر العاملين بالدولة، وقال حتى إن وجد لأسباب غير معروفة سيوزع في منتصف شهر رمضان، وأضاف مثال ذلك في مدينة نيالا تم توزيع السكر العام الماضي في الأسبوع الأخير من شهر رمضان وفي محليات الولاية الأخرى بعد رمضان، وتابع: بالطبع هذا التأخير وراءه فعل خفي من عصابات السوق الأسود وموردي السكر، كما تفضل مدير الشركة بذكرها بأنهم يسيطرون على سوق السكر وليس الشركة.
خلل اقتصادي
ولتلك الأسباب، يتوقع شمس الدين أن يصل سعر جوال سكر زنة 50 كليو إلى ثلاثين ألف جنيه مع بداية رمضان، والكيلو بالقطاعي إلى اكثر من ألف جنيه، كما توقع زيادة أسعار السلعة الأساسية الاستراتيجية الاخرى، ونوه إلى أنه من الغريب في الأمر أن زيادة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني هذه المرة لم يؤثر على أسعار العقارات والسيارات، موضحا أنه أثّر بشكل كبير على أسعار السلعة الأساسية كلها، مؤكدا أن هناك خللا في اقتصادنا، وقال لم يتم إصلاح هذا الخلل إلا بعودة الثورة الحقيقية وإحداث تغيير جذري في الاقتصاد لصالح غالبية الشعب المستعبد من قبل القلة المحتكرة لقوت الشعب، مبيناً أنها طبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي والذي يحتاج لنفس طويل ووعي ثوري عميق وخلاق.