اجتماعي: الغلاء من القضايا الوطنية ذات الصلة باستقرار أمن المواطن
طبيب نفسي: ارتفعت نسبة الإصابة بالجنون وهذا هو الدليل (….)
تجار: نحن لسنا سبباً في الغلاء
مُواطنون: الوضع غير مُحتمل ولا بد من مُعالجات
اقتصادي: الدولة لا تمتلك موارد والوضع كارثيٌّ!!
الخرطوم: انتصار فضل الله 13مارس 2022م
وقف العم “عثمان” البالغ من العمر 65 عاماً حائراً أمام سوبر ماركت “البركة” بأم درمان.. يتحدث مع نفسه هل اكتفي بشراء “البصل والصابون” أم يشتري “الزيت والعدس”، قبل أن يستوعب قائمة الأسعار التي على “ضلفة باب المحل”، فاجأه البائع بأن قائمة أخرى تضم أسعاراً جديدة بزيادة 50% على السعر السابق…!
“طبق” عثمان يداه “واستغفر ربه” وهمّ بالعودة بنية التوجُّه إلى السوق الشعبي أم درمان لشراء السلع الغذائية، لكنه تفاجأ بأن الحال من “بعضه”…!
قال عثمان لـ”الصيحة”: من الصعب الحياة في السودان في ظل وضع اقتصادي متدهور، وأشار الى تباين في أسعار السلع وكل المواد الاستهلاكية والغذائية التي تُخضع لأطماع التجار دون حسيبٍ أو رقيبٍ، مناشداً السلطات بمراجعة السوق.
الوضع غير مُحتمل!!
“عثمان ليس وحده الذي يعاني، فكل الشعب ينزف دماً جراء الأوضاع هذا ما قالته منى السيد ربة منزل للصيحة”، والتي تابعت “يئسنا من الحديث عن الأزمة المعيشية، فالأسعار غير ثابتة في الأسواق، وتزداد أكثر من مرة في اليوم أحياناً، وأسرتي تحتاج في اليوم الواحد إلى مبلغ 5 آلاف جنيه لتغطية الاحتياجات الأساسية، وحتى إن وُجدت، فلن نستطيع الحصول على السلع بسهولة.
وأبدى المواطنون “ابراهيم الريح – نعمات نور الدين- خديجة عبد الدافع”، تخوفاً من ارتفاع أسعار السلع الرمضانية في الأسواق، وأكّدوا أنّ الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، وقالوا لـ”الصيحة” بالنسبة لنا القضية خطيرة جداً وبحاجة الى نقطة نظام.
واشاروا الى سلع زادت اسعارها بشكل كبير، خَاصّةً المتعلقة بصناعة الحلو مر، والتوابل التي من الصعب الاقتراب منها، موضحين أن الوضع الحالي لم يترك مجالاً للمواطن لادخار حفنات من المال، فكل ما باليد ينفق في أشياء بسيطة لكنها غالية جداً، ودعوا إلى ضرورة البحث عن سبل لدعم الأسر حتى تتمكّن من استقبال الشهر العظيم.
اتّهاماتٌ مُتعدِّدةٌ
برّأ تجار، أنفسهم من تهمة الإسهام في ارتفاع الأسعار والغلاء الآني، وأرجعوا الأزمة للربكة السياسية وغياب حكومة ودولة تتابع وتضبط…!
ويرون الحلول في الجدية وتوفير الدعم اللازم لمعالجة المشاكل كافة، واتخاذ قرارات ناجعة لمحاربة الفقر والبطالة وحماية المستهلك، وتوقّعوا أن يبقى الحال كما هو عليه مع ازدياد طفيف في أسعار السلع الرمضانية.
دراسة علمية
أظهرت دراسة لمركز الهدى للدراسات الاستراتيجية، أن كلفة المعيشة ارتفعت بنسبة 1000% منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م، وأبانت أن سوق المواد الغذائية والاستهلاكية شهد زيادة عالية، وليست في مقدور المواطن تحمُّل الكثير حيال هذه الظروف…!
وأضافت الدراسة نتجت عن الارتفاع لمستجدات خارجة عن السيطرة.
واوضحت ان المتطلبات المعيشية الباهظة وسوء التصرف، وعدم ضبط اوجه الإنفاق.
العوامل النفسية في المقدمة
وكشف استشاري الطب النفسي د. عبد العظيم احمد، عن تفشي إصابات نفسية قاسية وسط المواطنين جراء الوضع الذي وصفه بالمتأزم، وأضاف هذا الوضع زاد نسبة الجنون في المجتمع ويظهر ذلك من خلال الانتشار الواسع لهم في الشوارع.
وأشار الى آثار أخرى خطيرة تنعكس على الأسرة تتمثل في صعوبة تلبية الاحتياجات وحدوث مشاجرات ومشاحنات زوجية لا تهدأ، وتدهور المستوى الأكاديمي للأبناء لانشغالهم بالمشاكل اليومية التي يشاهدونها في المنزل، قائلاً هذه كفيلة بأن تقود الى تدمير الأسر.
حول معالجة إفرازات الأزمة، اقترح أهمية التدرج في إصدار القرارات، وتهيئة المواطن قبل كل شيء، بجانب توفير الدعم اللازم لمقابلة الاحتياجات الضرورية والسماح بالتعبير عن الرفض طالما أنه سلميٌّ ولم يصل حد التخريب، مع محاولة إدارة حوار مع المواطنين لامتصاص غضبهم وانفعالاتهم، وهذا يمثل صمام أمان من الناحية النفسية.
تغييراتٌ طرأت على المجتمع
حول وقع الغلاء على سلوكيات المجتمع، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، الغلاء من القضايا الوطنية ذات الصلة باستقرار وأمن المواطن.
وأردفت: عندما تتأثر الأسرة كما هو واقع الحال الآن من جراء ارتفاع الأسعار، فهذا التأثير المتمثل في ضيق اليد وتعدد الاحتياجات، وعدم قدرة رب الأسرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته، يؤثر تأثيراً بالغاً عليها ويشعرها بنوع من القهر.
وأضافت أنه يُدخل رب الأسرة في مشكلات مستمرة لا حصر لها، وهذا بلا شك يؤدي إلى نوع من القلق الاجتماعي العام، الذي لا يقف على على بيت واحد أو أسرة بعينها، وإنما يمتد ليشمل كل الأسر ذات الدخل المحدود وهي التي تمثل الأغلبية.
صُعُوبات كثيرة
تابعت ثريا، في ضوء الارتفاع الكبير للسلع الاستهلاكية اصبحت حياة المواطن البسيط لا تطاق، مما يستعصي عليه مجابهة الوضع الاقتصادي في ظل تعثر الامور.
واشارت ثريا الى أن للغلاء دورا مباشرا في ارتفاع نسبة التفكك الاسري وجرائم الاختطاف والنشل والسرقة والانفلات الأمني، باعتبار ان الغلاء يزيد من ضغوط الحياة على الفرد والمجتمع، الأمر الذي افقد بعض الاسر تماسكها الاجتماعي
وتحوّلت بعض البيوت لطواحين يفر أفرادها من تحت أضراسها.
واعتبرت موجة الغلاء التي يعاني منها السودان بمثابة فتيل مشتعل يهدد الحياة الزوجية، وادى الى تفشي ظواهر منها الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج والهروب من المنازل، ودعت الى مراجعة اسعار السلع وارجاع التعاونيات بالأحياء السكنية.
الاقتصاد في غُرفة الإنعاش!!
قال المهتم بقضايا الاقتصاد سعد محمد احمد، لا شك أن الاقتصاد السوداني يعاني من أزمة طاحنة أدخلته في غرفة الإنعاش في انتظار الموت الرحيم.
وأضاف حدث ذلك بسبب التضخم الكبير الذي لم يشهد تاريخ البلاد مثيلاً له من ارتفاع أسعار احتياجات وضرورات الإنسان اليومي الذي أدى إلى عجز المواطن في مقابلة هذا الارتفاع الجنوني في سلع قوته اليومي من خبز وخُضر وزيوت وسكر وغيرها من السلع الأساسية.
كيفية العلاج
قطع أحمد، أن العلاج أصبح من المستحيلات، ويرجع ذلك الى تطبيق التحرير الاقتصادي وتعويم العملة الوطنية وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي دون توفير أو خطة للضمان الاجتماعي، فضلاً أن انقلاب ٢٥ اكتوبر كانت قاصمة الظهر للاقتصاد السوداني وقطع الأمل في تحسين الحالة الاقتصادية للسودان.
وأضاف أدى ذلك إلى نقض كل الاتفاقات الدولية من سياسية واقتصادية، وأوقف التعامل مع المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق البنك والنقد الدوليين المرتبطة بالتحول الديمقراطي.
حالة ارتباك
مشيرا الى ان تلك الخطوة أحدثت ارتباكاً كبيراً في سعر الصرف لتتجاوز قيمة الدولار الواحد حاجز الـ٦٠٠ جنيه في السوق الموازي الذي عاد بقوة.
بالتالي حدث ارتفاع جنوني في أسعار السلع ومدخلات الإنتاج والنقل والطاقة، في ظل غياب موارد حقيقية للدولة وإيقاف التعامل مع المصارف الدولية ليعود الحظر المصرفي بشكل آخر دون إعلان رسمي، مما خلق إشكالات في عمليتي الصادرات والواردات، لهذا عاد السوق الموازي غير الرسمي حتى للسلع، فضلاً عن ظاهرة الجشع لدى التجار مع مقدم شهر رمضان.
مؤكدا استحالة السيطرة على كبح جماح الأسعار بالسيرة على سعر الصرف إلا بوضع معالجة سياسية شاملة.