المحاولة الانقلابية.. ظروف وملابسات!!
الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم
الأحداث تشهد انحساراً شيئاً فشيئاً، عقب يوم ساحة الاعتصام بالقيادة العامة الأسبوع الماضي، ونقلت الأوساط الإعلامية ما يفيد بأن انقلاباً عسكرياً تم إفشاله يوم أمس. ووفقاً للأخبار الواردة من السلطات في الخرطوم، فإن الجيش استطاع إحباط محاولة انقلاب على المجلس العسكري، بحسب ما نقلته المصادر التي ذكرت أنه “تم توقيف 68 ضابطاً، حيث يخضعون للتحقيق بشأن المحاولة الإنقلابية في السودان”. وأشارت الأنباء إلى أن “المجموعة التى حاولت الانقلاب على المجلس العسكري أغلبها ضباط إسلاميون”. وما بين هذا الخبر الذي وجد ردود أفعال واسعة وسط المهمومين بقضايا الساحة السودانية وما تشهده من مجريات يحدث هذا.
وفي هذه المساحة نحاول الوقوف على ملابسات وظروف الانقلابات العسكرية، وهل التوقيت لحدوث الانقلاب ونجاحه مناسب في هذا الوقت تحديداً فيما لا يزال البعض يتساءل عن بقايا النظام البائد في المؤسسة العسكرية، وهل هم بمثل هذه الحالة التي تمكنهم من القيام بالانقلاب ولماذا تأخر كل هذا الوقت، وما مصير الضباط الذين اتهموا بالتورط في هذا الانقلاب، وهل سيخضعون لمحاكمة عسكرية سريعة أم إن الأمر سيطول عليهم كما حدث في الكثير من الانقلابات، وما هي ظروف وملابسات الانقلابات العسكرية التي انتظمت بلادنا فترة طويلة من عمر الاستقلال وإلى الآن؟؟..
ساعة الصفر
فيما يرى مراقبون للأوضاع أن المحاولة الانقلابية ربما كانت في طور التخطيط ولم تصل بعد لمرحلة التنفيذ خاصة وأن الحديث عن أن المحاولة الانقلابية لم تكن في يوم الأمس، وإنما كان الكشف عنها قبل ثلاثة أيام مضت، في الوقت الذي يشير فيه البعض إلى أن الحديث عن المحاولة الانقلابية ما هو إلا محاولة لإلهاء الناس عن العمل السياسي الذي يجري والمستجد من الخطوات العميقة التي بدأت تأخذ واقعيتها داخل أجندة التفاوض بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير عقب دخول وسطاء على الخط منهم آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي ومبعوث الاتحاد الافريقي الذي وصل الخرطوم في وقت سابق.
بيد أن ملابسات الانقلاب العسكري تأتي والبلاد تشهد استقراراً بعض الشيء، وتحسناً في الحالة الاقتصادية التي شهدت عودة الروح للصرافات الآلية بعد أن أصابها الجمود فترة طويلة، وكل هذا كان خصماً على الانقلاب وأهلية نجاحه الذي أُجهِض بكشف الستار عن المخططين له وساعة الصفر التي قد يكون لم يتفق بشأنها بعد.
المتضرر الأكبر
وفيما يخطط الانقلابيون من العسكريين للقيام بهذا الانقلاب، كان تحالف المعارضة يحاول الضغط على المجلس العسكري للتنازل عن السلطة بقوة، وقد حسب أنه توصل لنقاط كبيرة تحسم الموقف لصالحه، الشيء الذي يُشير إليه البعض بأنهم (قوى الحرية) المتضرر الأكبر من قيام الانقلاب، لأنه كان سوف يبدأ من جديد أو قد لا يبدأ في التحاوُر لأن من يأتي جديداً يأتي بخططه ومواقفه التي قد تجد له الشرعية في ظل الانقسام الكبير الذي تشهده الساحة السياسية.
بيد أن محاولات قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الذي زار السودان في مهمة للوساطة الأسبوع الماضي، قلّلت كثيراً من الاحتكاكات الدائرة بين المجلس وقوى إعلان الحرية. فيما تشير وكالة أنباء “رويترز” إلى أن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة بالسودان أعلنت إنها ستعلق حملة عصيان مدني وإضراب عام بدءاً من يوم أمس الأربعاء وحتى إشعار آخر.
ظروف وملابسات
وفي التاريخ المعاصر والقديم، في ظل الدولة السودانية، فإن مسيرة الانقلابات العسكرية كلها كانت تأتي في ظل ظروف وملابسات كلها كانت مألوفة لدى الشارع السياسي، وكانت إشارة معلمة بأن انقلاباً سوف يحدث نتيجة ذاك الموقف. ففي الستينات من القرن الماضي حدثت ظروف وملابسات طرد الشيوعيين من البرلمان، الشيء الذي أسهم بشدة في الاحتقان الذي ساد المشهد السياسي عقب عزلة الشيوعيين ما دفعهم لتنفيذ الانقلاب المشهود. كما أن الخلاف بين الصادق المهدي إبان الديمقراطية الثانية ونائبه عبد الله خليل، أوجد في الساحة السياسية ما يشبه انسداد الأفق السياسي، وهو بدوره قاد للترتيب للانقلاب الذي جاء بحكومة عبود.
أما انقلاب 89 فقد كان نتيجة العزلة التي تعرضت لها الجبهة الإسلامية عقب الوقيعة التي حدثت بينهم وبين القوى السياسية الأخرى نتاج توقيع الاتحادي اتفاق ومبادرة مع الحركة الشعبية سُمي بميثاق الميرغني وقرنق. وقد رأت الجبهة الإسلامية أن ما جرى ما هو إلا مؤشر لاستهداف الشريعة الإسلامية التي كانت إحدى المسلمات الكبيرة والغاية التي تستمد منها الجبهة الإسلامية قوميتها وقوتها.
وفي كل الأنظمة التي حكمت السودان، قامت محاولات للانقلاب عليها، يقف الشارع على حقيقة واحدة، وهي أن الإقصاء الذي يتم وقتها كان من أقوى أسباب الانقلاب إن كان ضد التيارات الإسلامية أو الشيوعية والاتحاديين، بيد أن مراقبين يرون أن شعور الناس بالإقصاء من أكبر العوامل الدافعة لإنجاح وقيام الانقلابات التي ظلت تعاود الكَرة الفينة والأخرى في السودان منذ أول انقلاب شهدته الدولة السودانية وإلى الآن، فهل الانقلاب الذي أُعلِن عن فشله أيضاً تقوده ذات الخلفية (عملية الإقصاء السياسي)؟.
غير مناسب
ويقول الفريق أول ركن محمد إسماعيل علي الشيخ لـ(الصيحة)، إن التوقيت لإجراء انقلاب في مثل هذه الأجواء غير مناسب الآن، لجهة أن الأمور التي كانت مضطربة بعد الشيء قد هدأت تماماً وصار هناك شبه اتفاق بين الأطراف المتحاورة من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وبالتالي حدثت هناك بعض القناعات في الشارع العام ووسط الناس المتابعين لمجريات التفاوض بين الطرفين، لذلك فإن الوقت غير مناسب وهؤلاء الضباط قد تعجلوا بعض الشيء في القيام بهذا الانقلاب الذي لم يحالفه التوفيق. وقال مستشار وزير الدفاع، إن المتهمين في المحاولة الانقلابية وكما جرى في كل المرات السابقة يخضعون لمحاكمة عسكرية بعد أن توجه لهم التهم بالشروع أو التخطيط لإجراء انقلاب عسكري، ومن ثم فإن المحكمة هي التي تقرر في شأنهم. مشيراً إلى أن الضباط المتهمين في المحاولة غالباً ما يكونون في الإيقاف الشديد ودوماً ما تباشر المحاكم في مثل هذه الظروف البت وإصدار القرار المناسب بحق المتهمين، وأنه إذا ما ثبت تورطهم فإن الحكم غالباً ما يكون قاسياً عليهم بعض الشيء إذا ثبت تورطهم في التخطيط للقيام بهذه المحاولة الانقلابية.
سرية وحذر
وفي الوقت الذي يواجه فيه الضباط المتهمون أحكاماً قاسية ربما تصل عقوبتها حد الإعدام لاتهامهم المباشر في التخطيط لتقويض النظام، أكد ضابط بالقوات المسلحة برتبة كبيرة (للصيحة) ـ وفضل حجب اسمه أن القائمة التي تم اعتقالها من القوات المسلحة والمشاركين في الانقلاب تحوي عدداً كبيراً ربما وصل لأكثر من ستين ضابطاً بالخدمة والمعاش، وقال إنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيها ضباط بالمعاش في انقلاب عسكري، لكنه رفض تسمية من يقود هذه المجموعة، وقال إن ذلك لا زال في محطة الإجراءات الأولية التي لم يسمح بكشفها، مشيراً إلى السرية التامة لمثل هذه الإجراءات خاصة وأنها تتعلق بأمر الدولة داخل المؤسسة العسكرية التي يتم فيها كل شيء وفقاً للسرية والحيطة والحذر التامين. وتشير المتابعات بأن ضباطاً كانوا قد اتهموا في محاولة انقلابية سابقة، قد ألقي القبض عليهم، وهم الآن رهن الاعتقال والتحري قبل أن يكونوا قد عرضوا على المحاكمة العسكرية التي من المؤكد أنها قد لا يتأخر أمر تشكيلها للبت في هذا الأمر بالسرعة المطلوبة.
وأشارت ذات الاتجاهات أن قائد المحاولة الانقلابية السابقة العميد ود إبراهيم ومجموعة من المجاهدين ضمن هذه المجموعة التي يتحفظ عليها الآن. ولم يتسن للصحيفة معرفة حقيقة وملابسات مشاركة الضباط المحالين للمعاش وبعض الإسلاميين في هذه المحاولة لتعذر الحصول على المعلومة، ولكن ما راج بالشارع العام هو ما جرت الإشارة إليه في هذا التقرير.