منى أبوزيد تكتب : أبو قراط كان حاضراً..!
12مارس2022م
“يجب ألا يخضع طب القرن الحادي والعشرين لبيروقراطية القرن العشرين”.. تشارلز دبليو بيكرينغ..!
لعلك تتفق معي على أن “محمد أحمد” قد صار يفهم اليوم الكثير من المعاني القريبة للمصطلحات الطبية، التي تنمو وتتكاثر في مواقع التواصل ووسائل الإعلام. والأهم من ذلك أنه قد بات يعي ما له من حقوق ويدرك ما يترتب على كل خطأ أو إهمال طبي. فالطبيب اليوم – بفضل ازدهار بعض الوعي وبفعل انحسار بعض الأعراف – ما عاد “ساحر القبيلة” الذي يخلع مرضاه عليه أثواب القداسة طالبين لبركاته أنَّى سارت، منصاعين لطريقة عمله كيفما كانت..!
أرجو أن تتفق معي – أيضاً – على أننا كما قال سعد الله ونوس “دوماً محكومون بالأمل”، وعلى أن مستقبل الطب في السودان سيكون بخير، ليس لأننا متفائلون، وليس لأن أمجاد ماضيه البعيد الذي كان أفضل من ماضيه القريب سوف تعود بضغطة زر. وليس لأنه الآن معافىً تماماً، ولكن لأننا في منعطف سياسي وتاريخي يحكمه التغيير نحو الأفضل..!
بوابة المستقبل في “طيبة برس” كانت – ظهر الأربعاء الماضي – مواربة قليلاً. فتسللت منها بقعة ضوء، دللت على صدق عودة “جودو” في سودان ما بعد الثورة. لذا تجدني أكتب هذا المقال وأنا تحت تأثير تفاؤل لا بأس به، وعصف ذهني جاد، بعد لحظات سائغة من الجمال، قضيتها مع نفر كريم، من زملائي الصحفيين والكتاب في حضرة البروفيسور “أحمد فرح شادول”، الأمين العام لمجلس التخصصات الطبية، وهو من العقول المضيئة، التي أكسَبَتها غزارة العلم، ومتانة المهنية نُبلاً ومهابة. فضلاً عن رقة الشاعر المجيد، والإنسان – كما تعلم – “لا يتجزأ” وكذلك القيم الإنسانية. هناك، رأينا هيبة الطب وهي تغتسل على نهر التواضع المهني، فترتفع بالهامات، ثم تخفض جناح الذل من الرحمة لمعاناة الناس، فتعلو بالهامات والهمم..!
لا شك أن “قيمة الصحة أكبر بكثير من قيمة التعليم” – كما أفتى بذلك يوماً توماس جفرسون – لذا قد تتعارض بعض المبادئ المهنية وتتداخل أحياناً مع بعض القيم الأخلاقية، فتخلف وراءها بعض الفوضى في ترتيب قائمة الأولويات. لكن الطبيب الحاذق يعتصم بأخلاق المهنة. فالروح من أمر ربنا وما أوتينا من العلم إلا قليلاً. ربما لأجل ذلك سألت البروفيسور “شادول” عن منهجية المجلس في هذا الشأن “شأن أخلاقيات مهنة الطب في مناهج الدارسين بالمجلس”، فحدثنا عن “كورس إلزامي في شأن مهنية الطبيب وفنون وأخلاقيات التواصل مع المرضى والمرافقين” يخضع له الأطباء الملتحقون بالمجلس..!
مجلس التخصصات الطبية الذي أنشيء في العام 1996م وتخرجت فيه أول دفعة في العام 1999م، وتخرج فيه أكثر من عشرة آلاف طبيب أخصائي، أدهشني أنه يشتمل اليوم على تسعة وخمسين تخصصاً، بمستوىً عالٍ حصر السفر للتخصص خارج السودان في بعض العلوم النادرة فقط. فضلاً عن شهادته المقيمة على نحوٍ مُشرفٍ عالمياً..!
لكنه على الرغم من كل ذلك لم يأخذ قدره الكافي من الدعم المالي، لذا فهو يواجه اليوم الكثير من التحديات، من موقع مكاتبه الذي ضاق برحابة الدارسين والمتدربين، إلى ميزانية التسيير البسيطة التي لا تساوي عشرة في المائة من المتطلبات والمصروفات المطلوبة، إلى إشكالية الحوافز ومشاكل السكن المريح والآمن للنواب الذين يعملون في الأقاليم في ظروف مهنية صعبة..!
الشاهد أن مجلس الوزراء الذي يتبع له مجلس التخصصات الطبية على نحوٍ مباشر، والذي لا يتدخل سلباً في عمله – وهذا جيد، لكنه أيضاً – لا يوفر له الدعم المالي الكافي. بينما الأوجب أن يُنزل هذا المجلس منزلته، وأن يُقدَّر حق قدره، حتى تستفيد الدولة من سمعته العالمية الحسنة. وعليه لا بد من “إجلاس” قضايا هذا “المجلس” على أريكة بعض المعالجات. لا بد من تقدير تمثيله النبيل لمهنةٍ مجيدة، لا يحتمل عطاؤها غير القسمة العادلة على الناس أجمعين..!