*الكثيرون يتداولون أفضل حالات العراق أمناً طيلة تاريخها الطويل، حيث تحقق في عهد الدولة الأموية، حينما تولى الحجاج بن يوسف حكم العراق، وبعدها في العهد الحديث حيث البطل العربي الراحل صدام حسين الذي نجح في إحداث استقرار للعراق لم يحدث في العصر الحديث.
*الحجاج بن يوسف الثقفي رغم أن روايات التاريخ تتناول سيرته “القابضة” وجبروته، بيد أن بداياته لم تكن كذلك، وربما كانت نقطة التحول في حياة الحجاج هو إهانة أحد جنود عبد الله بن الزبير بن العوام له في منزله في ثقيف.
*إهانة دون قصد حولت حافظ القرآن ومعلم الصبية إلى دكتاتور دموي، قتل الكثيرين، ولكنه أيضا نجح في زيادة رقعة المسلمين في تلك الفترة.
*وإن كان جنود ابن الزبير يعلمون أن ضربة سوط “لكليب” وهو الاسم الذي كان يحبه والد الحجاج أن ينادى به لو كانوا يعلمون أن ضربة السوط ستُحوّل الرجل إلى طاغية وقاتل لأميرهم عبد الله بن الزبير لما فعلوا ذلك.
*في تلك الفترة اشتد الخلاف بين الدولة الأموية وملكها عبد الملك بن مروان وأبناء الزبير بن العوام عبد الله ومصعب في الحجاز والعراق، ووصل الأمر بعبد الملك أنه سمح للحجاج بقصف الكعبة الشريفة بالمنجنيق حتى يقضي على عبد الله بن الزبير بعد قتل شقيقه مصعب في العراق.
*ولم يكن ذلك الخلاف هو الأول في الإسلام، فقد سبقته الكثير من الخلافات التي بدأت منذ عهد سيدنا عثمان بن عفان وظهور عبد الله بن سبأ وانقسام المسلمين فيما بينهم، وحتى اليوم منقسمين.
*التاريخ يحدثنا عن تفرقة المسلمين منذ الخليفة الثالث وحتى انتهاء الدولة العثمانية وما بعدها، ويحدثنا عن ضياع الأندلس التي كان يسيطر عليها المسلمون، ولكنها ضاعت وراء ملذات الملوك والطوائف في الأندلس حتى أنهم أصبحوا يطيعون الملك الأسباني “الفونسو” ويخالفون أمير دولة المرابطين بالمغرب العربي.
*وحتى دولة المرابطين التي قامت عقب القضاء على ملوك المسلمين في أسبانيا تلاشت بعد أن أثرت عليهم بيئة قصور قرطبة وأشبيلية وغيرها من القصور الرائعة التي كان يعيش فيها ملوك الأندلس.
*ضاعت الأندلس ولن تعود، وظل تاريخها محفوظاً في الكتب يدرس للأجيال جيلاً بعد آخر.
*وغير الأندلس الكثير من الدول الإسلامية ضاعت تحت ركام الدول الحديثة، وظل حب السلطة يتجدّد في نفوس البشرية منذ صحابة رسول (صلى الله عليه وسلم) وحتى اليوم.
*حب السلطة والانتقام جعل من الحجاج طاغية كما صنع من حكام المسلمين طغاة لا يخافون الله في قتل النفس البشرية، ولكن في النهاية مات الحجاج نتيجة جبروته كما سيموت الآخرون نتيجة قسوة حكمهم على شعوبهم.
*الكثير من حكام الدول العربية في عصرنا الحديث يشبهون الحجاج في حكمهم رغم اختلاف الأزمان، وربما يكون ابن يوسف الثقفي أفضل بكثير منهم، وهم لا يجدون طريقاً للعدل بين العباد، كما كان يوفره الحجاج في عهد الدولة الأموية.
*نسأل الله أن يرينا عدل حكامنا وإنصافهم، وأن لا يسلط علينا من يريدون البطش بنا نتيجة أحقاد سابقة يعلمونها ولا نعلمها نحن.