هل العسكري شريك؟؟
عندما أعلن المجلس العسكري بأن قوى الحرية والتغيير هي الشريك الوحيد في الفترة الانتقالية، وأسند إليها تشكيل مجلس الوزراء، كان حرياً بقوى الحرية والتغيير الاعتراف من جانبها بالمجلس العسكري كشريك أصيل في الثورة.. وشريك أصيل في المسؤولية عن حسن إدارة الفترة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات وتسليم البلاد لحكومة منتخبة من الشعب لتقرر تلك الحكومة بشأن القضايا الكبيرة..
قوى الحرية والتغيير أخذتها نشوة الانتصار على البشير وانتفش ريشها وأعجبتها نفسها وكثرة أتباعها من الطامعين والخائفين والمرتجين خيراً منها.. وانقلبت قوى الحرية على المجلس العسكري (واتخذته) خصماً لها بدلاً من الدخول في شراكة سياسية على غرار ما حدث بعد ثورة أبريل ــ نيسان و(تفاهم) المجلس العسكري حينذاك والتجمع الوطني الديمقراطي. و(طمعت) قوى الحرية في كل السلطة، وطالبت بعض مكوناتها العسكري للعودة (للثكنات). وهي لهجة آمرة متعالية لا تصدر إلا من نفوس أعمتها الغشامة عن حقائق الواقع.. وطفق بعض قادة تحالف قوى الحرية والتغيير يخادعون أنفسهم بقدرتهم على هيكلة القوات المسلحة.. وحل جهاز الأمن وهيكلة الشرطة، وبلغت الجرأة بأحدهم أن يتحدث قائلاً “لم نقرر بعد ماذا سنفعل بالدعم السريع”..
تلك من الأسباب الظاهرة التي (أعاقت) تشكيل الحكومة الانتقالية، ودفعت الفريق الحليم عبد الفتاح البرهان لإلغاء الاتفاقيات التي وقعت مع قوى الحرية والتغيير..
لماذا الحديث الآن عن هذه القضايا الخلافية، وقد أعلنت الأطراف العودة مرة أخرى للتفاوض والحلول السلمية؟؟ بعد فشل الإضراب والعصيان المدني وفض المجلس العسكري للاعتصام بالتي هي أخشن؟؟
أولاً: لن يتوافق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلا بتوفر شروط أساسية أولها الاعتراف المتبادل خاصة من جهة قوى الحرية والتغيير بأن المجلس العسكري شريك أصيل في التغيير، وشريك في إدارة الفترة الانتقالية باعتباره (ضامناً) لحسن الممارسة ورشدها وموثوق به من قبل قوى سياسية أخرى تقف بعيداً عن المشاركة في الفترة الانتقالية، وأكبر كتلة جماهيرية في السودان يمثلها الإسلاميون والاتحاديون وهؤلاء يثقون في نزاهة وحيادية المجلس العسكري..
ثانياً: قوى الحرية والتغيير مطالبة بالنأي بنفسها عن المؤسسات العسكرية التي لا تخضع لأهواء السياسيين ورغباتهم، ومحاولة تدجينها ووضعها في جيوب الأحزاب، والقوات المسلحة عصية على (الأدلجة) ومثلما فشل الإسلاميون خلال ثلاثين عاماً في استمالتها وتوظيفها لخدمة مشروعهم السياسي وقد أطاحت القوات المسلحة في آخر الأمر بحكم الإنقاذ، ووضعت البشير في السجن، فاليسار أعجز عن أدلجة الجيش، وله تجربة بعد مايو انتهت بمأساة هاشم العطا وأتباعه في اللجنة المركزية..
أخيراً، إذا لم يتوافق المجلس العسكري وقوى التغيير على دستور انتقالي واحترام واعتراف بالآخرين من الجالسين في الرصيف أو حملة البنادق في الهامش، فإن تجربة الانتقال تحيط بها المخاوف.. وعلى الطرفين قبل اقتسام غنيمة السلطة التفكير بجدية في التوقيع على ميثاق وعهد بينهما، والاتفاق على مرجعيات لفض الخلافات بعيداً عن بندقية الجيش ومتاريس قوى الحرية والتغيير..