11 مارس2022م
يعتورنا كدولة ومجتمع وحكومة ومواطنين كثير من القضايا المزعجة والمقلقة وبعضها يتخذ صيغة التجاوزات غير العادلة أو تلك التي يغض الطرف عنها استسهالاً واستصغارًا حتى تتفاقم و يصبح التعامل معها فيه صعوبة وحساسية وتكاليف. وهي في الأصل قضايا إدارية بسيطة جداً يمكن التعامل معها بأدنى درجات السلم الإداري إذا كان السلم الإداري سليماً حازماً مؤسسياً منضبطاً يعمل ويتعامل وفق مقتضيات القانون الساري بشفافية متابعاً أسس ومبادئ الحوكمة والحكم الراشد والتي يعتبر السودان من المنتسبين إليها خاصة ضمن منظومة الاتحاد الأفريقي ومؤسساته.
من تلك الأسس والنظم تفعيل مبادئ وأنظمة وأسس حوكمة المؤسسات والهيئات والشركات العامة والخاصة واطرها الفاعلة. و تطبيق هذا يجعلنا ننتقل من مناخ وممارسات إنشاء المؤسسات إلى تعميق المؤسسية الراشدة التي لا مجال فيها لهياكل وأنظمة ومستويات فارغة المضمون والمحتوى، بل تحويلها لمؤسسية لا يوجد فيها مستوى أو مسمى أو وظيفة خالية من المسؤولية والواجب ومطالبة بتحقيق نتائج وليس فقط بإكمال هياكل فارغة لا يحس أحد بوجودها أو ذهابها.
نحن ننشئ كثيراً من الهياكل في شكل مؤسسات وهيئات وشركات ومفوضيات وما إلى ذلك تحت حجج صحيحة وهي تطوير العمل لتحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية أكبر وبكفاءة أعلى. وفي كثير جداً من الحالات نكتفي بالهيكل دون العظم واللحم والفاعلية. وفي كثير من الأحيان يتم إحلال وإبدال إذ تصبح تلكم المؤسسات أقرب إلى الإقطاعيات وبعيدة كل البعد عن أداء المهام وتحقيق النتائج. من ذلكم والذي ينشأ فيه السودان عن بقية دول العالم المتقدم والنائم هو الأدوار المحورية لمجالس إدارات المؤسسات والهيئات والشركات الاقتصادية التجارية والزراعية والمالية والخدمية. وقد حملت الأنباء قرارًا بحل عدد من مجالس إدارات المؤسسات وسيعاد تشكيلها فهل يكون استبدال أشخاص بأشخاص بدون مؤسسية حقيقية مضروبة و بمضامين خاوية او تكون فعلاً مؤسسات تمثل المصالح الحقيقية لأصحاب الملك و المصلحة و لعل أوضح ذلك غياب مجالس إدارات مؤسسات القطاع الزراعة مثل مشروع الجزيرة و حلفا و الرهد و حلفا الجديدة و شركة السودان للأقطان و شركة الخطوط الجوية السودانية و هيئة الموانئ البحرية و عدد من المصارف و الهيئات و الشركات العامة و في غياب ممثلي أصحاب المصلحة الحقيقية فلمصلحة مَن تُدار تلك المؤسسات..من أوضح الأمثلة على المجالس الفاعلة مجلس المديرين بشركة فورد للسيارات، وكما هو معلوم فقد أنشأها عميد أسرة فورد ثم تم إدخال مساهمين آخرين وقد مرت بسنوات قاسية كادت تؤدي بها. فكان قرار مجلس المديرين Board of Directors وليس مجلس الإدارة أن العلة الرئيسية هي في رئيس مجلس المديرين فورد الحفيد وأنه غير مناسب للمهنة وأن عبقريته في التصميم وليس الإدارة. وكانت حجته أنه أكبر مالك واسرته المؤسسة للشركة، فكانت إجابة المجلس إن هذا كله صحيح، ولكن للمجلس مسؤولية متساوية نحو كل المؤسسين على حد سواء وأنه إذا استمر رئيساً للمجلس فقد تواجه الشركة مصيرًا مظلماً فقبل وتحول لإدارة التصميم ويجيء بالدكتور روبرت ماكنمارا من مدرسة الحكومة في جامعة هارفارد والتي حملت اسم الرئيس جون كينيدي فيما بعد… رئيساً للمجلس وانطلقت الشركة إلى الأمام وكانت النتيجة أنها الوحيدة من بين الشركات الأمريكية الكُبرى التي اعتذرت عن قبول أي دعم حكومي عقب الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة في عامي 2007ـ 2008 والتي كلفت دافع الضرائب الأمريكي سبعمائة وخمسين مليار دولار، لكن مقابل أسهم. عندما جاء جون كينيدي اختار روبرت ماكنماراً وزيراً للدفاع واستمر ثماني سنوات كأطول فترة يقضيها وزير دفاع أمريكي. ثم أصبح بعد ذلك رئيساً.. وليس مديراً …للبنك الدولي والذي عادة تختاره الولايات المتحدة الأمريكية بحسب اتفاقية بريتون وودذ.
Bretton Woods بينما ترشح أوروبا رئيس صندوق النقدالدولي…
IMF
و نواصل إن شاء الله…
مدرس تحليل السياسات و استشاري التخطيط الاستراتيجي