7مارس 2022م
قاسم أبوزيد .. يا لون سماء الوجدان!!
قاسم أبوزيد .. شاعر غير عادي .. وهذا معروف ومؤكد بالضرورة .. اختط لنفسه خطاً شعرياً ابتعد به عن حال السائد والمألوف .. قصائده غير مكررة .. تكسر إطار العادية والرتابة .. فهو صاحب قلم مغموس في حبر التجديد والتجريب .. وكل مفردة أو قصيده عنده تمثل موقفاً إنسانياً شاهقا .. ذلك يتضح بمعنى حينما نعاين ونتأمل معه:
ضليت هرب مني الامل .. جنيت وجافاني الشروق …
حنيت وكنتي معايا في لمة دليب ..
شاشاي و في إيقاع حش المردوم ..
وفي جيد الزمن سوميت ..
مرقت على محطات السفر غربة …
و ما لقيتك امل شارد ..
وكما قال عنه الكاتب شهاب (ها هو ربان آخر في باخرة (مصطفي سيد أحمد) … قائد ماهر يعرف كيمياء البحر .. والطريق الى اليابسة يقود الباخرة بمهارة وفن كما الفراش يتهادى فوق الموج .. يرتشف من كل زهرة أريجها .. ويحيله الى عسل صاف يرفد به تجربة مصطفى تلك الخلية الدائبة بالحيوية والنشاط . (قاسم) يقاسمك الدهشة و الحضور يحيلك من مستمع الى مستمتع و مشارك في صياغة النص الشعري .. (أبو زيد) يزيدك رقياً و ألقاً .. يسمو بك في فضاءات رحبة. ما أروع هذا القاسم المشترك بيننا والراحل (ابو سامر) كما يحلو للبعض مناداته.
انضم ( قاسم ) الى ركب شعراء المفردة المجنحة ورفض السائد.. غيّروا شكل الأغنية ورفضوا القوالب الجاهزة لأغنية كانت تُخاطب الأنثى كأنثى عباءتها كلمات ضيقة و شفافة تلتصق بالجسد وجمل قصيرة لا تغطي سوى ركبيتي الاسئلة .. شارك مع مصطفى في بداياته الغنائية .. وكان ميلاد مسرحية / ضو البيت – بندر شاه رائعة الأديب العالمي الطيب صالح !!! و أحالوا ذاك النص الى سيمفونية رائعة !!! هو بالإخراج ومصطفى راو غنائي للنص !! بمشاركة مجموعة من فرقة (السديم المسرحية) . وكانت بحق تجربة مشرفة تهمس بميلاد شاعر من نوع آخر.. رجل يطوع الكلمة ويغسلها بماء الجمال وبحروف من نور .. تخرج المفردة منه و هي حية متحركة ، فهو مخرج ، يخرج الدرر من فمه ، ويخرجك من نفسك لترقص طرباً مع شعره.
و كانت تلك اللجان وهي مجموعة من الجثث التي تتحنط خلف مسمى – لجنة النصوص – وهم حراس القبح ويدعوننا الى التأصيل والرجوع بالأمة الى تراثها وما ادراك ما حمى التأصيل وغيره من الأوهام الجماعية السائدة حينها وسطع نجم شعراء التجديد أصحاب فكر وقدموا لنا رقاع دعوة مفتوحة لتجاوز الحُزن الكثيف الذي أصبح يلتصق بجوانب أجسادنا من الداخل يلتصق ولا يزول، ألا تشعرون بالطبقة اللزجة فوق لسانكم ، في جدران عروقكم من الداخل لذا انصتوا لقاسم يقطر شهدا عبر كمان / مصطفى:
سافر .. محطات الوداع ضجت قدامك و راك بيضاء
وسماك غناي .. مساحات الأسى الفي عيونا تتفجر مدينة وناي
بطاقات دعوة الرجعة تساب عينين من الفرحة
دموع للحاضرين ضجت
زغاريد غطت الدنيا وعاد فرح الرجوع منية
وقد زاد الأغنية شدوا وبهاءً ( الموصلي ) ، موزارت السودان .. وها هو قاسم وما زال يواصل عطاءه وفنه وما زال قابضاً على جمر القضية والفكرة بداخل محرقة الوطن (الذي كانت مساحته مليون ميل مربع) وقد ضاق الآن بأهله !! وبرغم شح الامكانات وبفضل موهبته وغنى نفسه الخلاقة وما يميز مصطفى عن غيره من (المغنين) تلك العلاقة الحميمة بينه وشعرائه ومُستمعيه، وحينما يحكي لك احد المقربين منه كأنه يحكي لك عن طائر خرافي أو طيف!! لذا إنا موقنون انه لن يتكرر لا اسمه ولا رسمه وهو خليط من الإنسانية والسلوك الراقي, نعم هناك الكثيرون جيدو الأداء والألحان ولكنهم ليسوا مصطفى صاحب الفكرة والمبدأ والموقف.