الجيلي: معتز عبد القيوم 7مارس 2022م
الجميع يتوافد الى المكان.. بعد ان ابتلع النيل في جوفة (35) فداناً غرب الجيلي المنطقة الموازية للنيل عند الترس قبالة المدينة التاريخية، تبدو الطبيعة ساحرة والمنظر خلابا وبديعاً والحسن يظهر عندما تتبرج الجيلي عند إيذان شمسها بالمغيب على صفحة الماء الهائج المائج الذي يسعى ليضع قبلة على شطها في امتداد مسافة تقدر بحوالي 6 كيلومترات أو تقل.. (الهدام) و(البق) يسري من تحد اقدام المواطنين والآليات الثقيلة على قلتها التي ترابط هناك منذ حوالي 5 أيام ونيف، خوف ان يبتلع (الهدّام) ما تبقى من أراض أعلى ظهر الجيلي بتاريخها، مما دعا الجهات الرسمية في محلية بحري للوصول الى المنطقة (الهدّام) واجراء مسح لطبيعة الأرض التي أصبحت رملية تلمع في دلال وسحر وترقد في سلام الى حين.. (الصيحة) ذهبت الى هناك وعادت لتكتب وتروي القصة.. ومآلات الخروج ومهدّدات مُحدّقة تبدو في الأيام المقبلة..
اكتشاف الأزمة
تحدث المهندس سيف الدين عوض الكريم مدير إدارة الخدمات والآليات بمحلية بحري والمشرف على عمليات احتواء الهدام أن الأزمة قد تم اكتشافها قبل حوالي 5 او 3 أيام، وقال انهم تسلموا الإشارة بوجود (هدّام) يهدد الأراضي الزراعية غرب الجيلي، وشرح المهندس مآلات الوضع والخطر الماثل، اذ تطور الأمر مع قوة التيار واندفاع (الهدّام).
2 كيلو يضربها (الهدّام)
وواصل المهندس الاستشاري أن المنطقة غرب الجيلي مُهدّدة بالزوال والابتلاع في جوف النيل جراء (الهدام) الذي ينتظم عددا من مضارب النيل من بينها الجيلي، حيث أشار إلى أن المساحة المُهدّدة بـ(الهدّام) تمتد في مساحة 2 كيلو متر على امتداد النيل والشريط المُوازي للضفة.
6 نقاط معالجة آنية
إلى ذلك، كشف المهندس الاستشاري أن العمل والعلاج الذي بدأ الآن من المتوقع ان يصل الى مساحة 2 كيلو في 6 نقاط، وقال: “كل نقطة من النقاط تحتاج الى عمل ردميات وتعليات وكواسر (الهدّام) التي بدأت في نقطة واحدة في عمل سيتواصل لـ(45) يوماً نحتاج فيها الى ردمية من الحجارة والخرسانة والرمال المُختلطة بالحجارة البيضاء لصناعة كاسر لـ(الهدام) لمزيدٍ من الحيطة والحذر على امتداد المنطقة حتى نصل الى 6 نقاط خلال الأيام المحددة”، واكد ان هذا الحل ليس نهائياً، بل هو معالجة آنية فقط لإيقاف (الهدّام) والمياه التي تتسلل الى أراضي الجيلي الزراعية جراء (البق).
تتضرُّر أراض زراعية
كما تحدث عقيل احمد ناعم مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بتنسيقية الجيلي، الناطق الرسمي باللجان التنسيقية، مبيناً أن الأراضي الزراعية تضرّرت كثيراً من عملية (الهدّام) التي ضربت الجيلي خلال الأيام الماضية مما دعاهم لطلب المساعدة والسند والدعم لحماية المدينة من أخطار (الهدّام).
في بطن (الهدّام)
وأبدى عقيل ناعم، عن قلق المزارعين والأهالي من خطورة يخبئها (الهدّام) في الأيام القادمات برغم ان الوضع نسبياً مستقر على حد قوله، وأشار إلى بدء العمل لتقليل الخطورة التي سيُشكِّلها (الهدّام) بأمواجه العاتية العالية، وكشف ان الأراضي الزراعية التي ابتلعها النيل و(الهدّام) تصل الى 1000 فدان مزروعة بتقاوٍ موسمية والبعض احتسب أراضيه الزراعية وآمن بما أراده الله تعالى.
حل إسعافي
وواصل عقيل احمد ناعم ان الذي يحدث الآن امام النيل هو حل إسعافي لأجل احتواء (الهدّام) والسيطرة عليه وإعادة النيل الى طبيعته الهادئة ومجراه الطبيعي، حيث إنهم يستشعرون خطورة الأمر، خاصة وأن الحل الإسعافي الذي بدأه المهندس الاستشاري سيكون له ما بعده وسيؤتى أُكله.
120 ملياراً وضيق ذات اليد
ولم يخف عقيل ناعم في حديثه، ضيق ذات اليد بخصوص العمل الذي ينتظم منطقة (الهدّام)، وكشف أن هذا يظهر في كميات الوقود وأعمال الصيانة التي تحتاج إليها الآليات الثقيلة كل يوم، حيث أوضح أن آلية واحدة تحتاج الى (15 ـ 20) لتر وقود لمباشرة العمل في نقل الردمية من أبعد نقطة في اطراف الخرطوم قري والحاج يوسف، مبيناً ان المسافة بعيدة وتقلل من عمل الردمية.
الحل بعد الدراسة
كما اشار الناطق الرسمي بتنسيقيات الجيلي عقيل احمد ناعم الى ان الحل الشامل لا الإسعافي سيكفل للجميع والمزارعين الحياة بسلام مهما هدّدتهم المصائب والابتلاءات، وطالب بأن تحضر الجهات المعنية في الدولة والاستشاريون والمنظمات والهيئات لعمل مُسوحات تكشف عن إيجاد حلول قادمة للمواطنين وتأمينهم من الأخطار والكوارث الطبيعية.
تجاهل وزارة التخطيط
وتحسّر عقيل ناعم الى ما يحدث من هيئات ومنظمات ووزارات في دولاب الدولة تمت مخاطبتها ولم تستجب لهم حتى الآن، رغم انها على علم بمستجدات الأمور لأجل التدخُّل الفوري للوصول الى حل جذري في مقبل الأيام، وتساءل ناعم ما هي الأشياء التي توليها أجهزة الدولة اكثر من توفير السكن والأكل والعلاج والصحة، وتمنى ان تجد نداءاتهم آذاناً وعقولاً تعي ما تقول وتفعل من باب أن هذا هو دورهم المنوط به في هذه البلاد بأطرافها المترامية.
الاحتفاظ بالتاريخ
وعن المخطط السكني الجديد الذي تسلم بعض مواطني الجيلي أراضيهم فيه وشرع البعض في عمليات المسح والبناء وتشييد المنازل لما يهدد الجيلي كل عام من فيضان في موسم الخريف، أبان أن الجيلي لا بد من الاحتفاظ بها لأنها مدينة أثرية تاريخية لها تاريخ، وتسكنها قبائل متداخلة الأجناس ومتصاهرة مع قبائل أخرى على امتداد السودان، وأكد أن المواطنين الذين يقطنون فيها يرفضون الهجرة منها الى منطقة أخرى لما فيها من تاريخ وأثر باق في النفوس.
نداء للسيادي
بينما كشف عادل احمد ممثل اللجنة القومية للاستنفار الخارجي ومبادرة من أجلك يا وطن، أن لديهم عدداً من الخطابات والمكاتبات التي وضعوها على منضدة عدد من المسؤولين والقيادات في المجلس السيادي والوزارات والهيئات ولجنة الخدمات بمصفاة البترول في قري، وأضاف ان مطالباتهم انحصرت في ان يتم توفير معينات، من بينها زيادة عدد الآليات وناقلات التراب والحصى والحجارة من والى منطقة (الهدّام)، مبيناً الحاجة الى الوقود لتسيير العمل ومواصلته حتى لا يتوقّف، وأبان عادل أن ما يحدث الآن تقف من خلفه محلية بحري والوحدة الإدارية في الجيلي والتي قامت بدورها كاملاً منذ أن بدأ (الهدّام) في نخر أراضي الجيلي وابتلاعها بلا هوادة.
احتساب الثمر والزرع
ابتدر أحد متضرري (الهدّام) المزارع محمد عثمان أحمد قوله بالحمد لله رب العالمين، لله ما أعطى وما أخذ والفداء جليل، وأضاف ارضي وزرعي (الجوافة، الليمون والنخيل) اصبح في يوم وليلة في بطن النيل، ربع أرضي ابتلعه النيل، وأشار الى ان الامر لم يكن بهذه الخطورة لأننا في كل عام نَتَحَسّب لفيضان النيل الذي اصبح في عامين يأتي بشوق الى ضفة النيل في الجيلي كأنه على موعد ووعد بعناق ينتهي بنهاية (الدرت)، مضيفاً: أما الغريب الآن وبعد أشهر من انحسار الفيضان وعودة النيل الى (جرابه)، فاجأنا النيل بموج متلاطم مرتفع وشوق جارف أخذ وابتلع عدداً من الأفدنة المزروعة والأراضي التي يملكها مزارعون يعتمدون عليها سنوياً في معيشتهم وحياتهم اليومية، (الهدّام) أدهشنا هذا العام لم يكن بهذا العنفوان والقوة، عرفناه من قبل ولكن هذا العام ينذر بخطر قادم والخريف على الأبواب وننتظر ما سيحدث والخطر مَاثلٌ.
لتظل الجيلي تاريخاً غالياً
أما المزارع الأمين كمال وإن بدت عليه علامات غضب ظاهرة على محياه الباسم بثغر ضاحك، سكن روعه بعد أن اقتربت منه، وابتدر حديثه ماذا أقول قدر الله وما شاء فعل وكل شيء عنده بمقدار وقدر مكتوب، مبيناً أن أرضة ¾ ذهب مع (الهدّام) (برسيم وبطاطس) احتسبتها لله تعالى لأجل أمر وقدر نافذ، ولأن الجيلي تاريخٌ يظل في البلاد شامة تحكي كل نضال، رغم أعوام يأتي فيها النيل يحمل عبابا وزبد أشواق تضرب (ترس) المدينة ويتصدى له الشباب والشيب والصبايا والصبية والنساء وعموم الجيلي والمناطق المجاورة لما يربطها من عرق ونسب ومصاهرة، وأضاف وإن كان الأمر لا يعدو أن يكون لطبيعة الحياة إلا أن الحكم نفذ والقدر حضر واحتسبنا ما ابتلع (الهدّام)، ونتمنى أن يظل الأمر على ما هو عليه برغم خطورة الموقف وقتامة المشهد.
أرضي وزرعي فداء
بينما جاء المزارع عبد القادر مبارك يتوكأ على عصا يميل تارة يميناً ثم يستقر، ثم يميل شمالاً يحمل بين كفيه قوة وجلدا وصبرا على مصاب قد اقترب وأخذ منه (الهدّام) بعض قوة الجسد، في بادئ الأمر تحدث وقال ما دام أهلي هنا والجميع مرابطون على ضفة النيل ينتظرون شوق (الهدّام) ويقابلونه بالآليات وسواعد شباب تسبقها دعوات منابر المساجد ودعوات المصلين والنساء في الخدور، أعتقد أن الأمر سيستقر والوضع سيعود إلى ما هو عليه، وأشار في جلدٍ، حسبته يضحك، نعم أخذ (الهدّام) أرضي وابتلع النيل زرعي وعرقي وجهدي واحتسب، ولكن أقول: كل شيء ذهب فداء للجيلي لتظل قلادة في ضفة النيل.
المعلمون والطلاب همة
لم يقتصر الأمر على عمل الآليات الثقيلة أو ناقلات التراب او الحجر الخرساني، بل تجاوز الأمر وبلغ المعلمون والمعلمات والطلاب والطالبات في مدارس الأساس والمتوسطة والمرحلة الثانوية، حيث رسم المعلمون والمعلمات والطلاب، لوحة زاهية وهم يُشَكِّلون حضوراً يتابع القضية وينظر الى (هدّام) النيل بعين بريئة ويعدون العدة للكفاح لأجل بقاء مدينتهم.
مهيرات الجيلي.. خدمة وزاد
وتتواصل اللوحة الماثلة في غرب النيل لتبدو أكثر وضاءةً وجمالاً حين ظهرت مهيرات الجيلي وهن يحملن الزاد والطعام ويلتقطن القفاز ويُساعدن بزغاريدهن في دفع وشحذ همم العاملين المُرابطين على ضفة النيل يترقّبون (الهدّام)، فالطعام الذي أسهمن في إعداده حتى اللحظة لم تشارك فيه فعاليات الدولة وهيئاتها المنظمة، بل أعدّه الأهل والجيران والأقارب والأصهار الذين يتوافدون للمشاركة والحضور والاطمئنان على حال الجيلي